ملف التاريخ

حوارات الملك.. مواقف طريفة يرويها صحافيون حاوروا الملوك الثلاثة

ليس من السهل الظفر بحوار مع ملك أو زعيم أو رئيس. الصعوبة لا تكمن في خطورة «السبق» الصحافي، بل تكمن في المتاريس ونقط التفتيش الموجودة على طول الطريق المؤدية إلى البلاط. الظفر بحوار مع الحاكم يشكل تجربة مهنية وإنسانية لا يمكن نسيانها بالنسبة للصحافي.

مقالات ذات صلة

في علاقة الملوك الثلاثة للمغرب بالصحافيين الذين استجوبوهم، مد وجزر، اختناق وانفراج، لكن إذا كان الملك محمد الخامس حريصا خلال فترة حكمه على التواصل بما قل ودل، فإن خليفته الحسن الثاني كان الأكثر تواصلا مع المحيط الإعلامي بمؤتمراته الصحافية وحواراته مع صحافيين أغلبهم من الدائرة الفرنسية، بل إن الرجل كان يجد متعة وهو يحاور إعلاميا غالبا ما يحول الجلسة إلى ذكرى تحتل الحيز الأكبر في مذكراته.

في الحوارات الصحفية التي أدلى بها الملك محمد السادس، يحرص على ضبط توقيت خرجاته وعلى تنويع المنابر الإعلامية، وتنويع أمكنة اللقاءات الحوارية، وغالبا ما تكون ظروف إنجازها بأقل إجراء احترازي، حيث أجمع محاوروه على أن اللقاء تم بأقل انتظار.

إجراء حوار مع الملك ليس بالأمر الهين، إذ يبدأ بإرسال طلب في الموضوع إلى الديوان الملكي، يحال على خلية التواصل ويليه بحث دقيق حول الصحافي والمؤسسة الإعلامية التي ينتمي إليها وأسباب النزول. أما الرد فله علاقة بأجندة الملك، لأن منح حوار صحفي يخضع حصريا لتقدير الملك شخصيا.

في هذا الملف نقترب أكثر من محيط الحوارات الصحفية التي جمعت الملوك الثلاثة بمستجوبيهم، ونرصد كواليسها.

حوار مع صحافي «الباييس» المتهم بالتخابر مع المخابرات الإسبانية

نال إغناثيو سيمبريرو شرف محاورة الملك في يونيو 2005 بورزازات، وقال في أعقاب اللقاء، «ما أثارنا حقا هو البساطة وغياب البروتوكول، فالملك لم يجعلنا ننتظر طويلا وحضر بدون إعلام سابق، وتم إجراء الحوار في الحديقة».

قبل هذا التاريخ أشار الصحافي الإسباني في مداخلة خلال الندوة الدولية حول موضوع: «الصحافة بين الإخبار والتشهير»، التي نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية لحقوق الإنسان، إذ كشف عما حصل له ذات أكتوبر من سنة 2002، حين كان جالسا في بهو فندق وسط مدينة سبتة، كان حينها يعمل في جريدة «الباييس» مكلفا بتغطية أحداث المنطقة المغاربية، ومطاردته من طرف المخابرات المغربية، حين كان على موعد مع صحافيين الأول هو جان بيير توكوا من جريدة «لوموند»، وهو مؤلف كتاب مثير للجدل عن الملك محمد السادس: «الملك الأخير»، والثاني هو جان كلود جوفينال، رئيس مكتب «وكالة الأنباء الفرنسية» في الرباط الذي طردته السلطات المغربية من البلاد.

يقول سيمبريرو عن حوار العاشر من يناير 2005، «في ذلك اليوم بالذات توقفت سيارة بيرلين سوداء لتقلني أنا وخيسوس مدير جريدة «الباييس» من فندق بورزازات لمقابلة الملك. قبل ذلك التقيا مصطفى الساهل وزير الداخلية السابق والجنرال حميدو العنيكري المسؤول آنذاك عن المخابرات وآخرين. كان الحوار سبقا صحفيا تاريخيا لطالما ركضت وراءه. بدأت بإرسال طلبات مكتوبة بمجرد ما اعتلى محمد السادس العرش سنة 1999، وبالموازاة مع ذلك كنت أحدث بانتظام بعض المقربين منه الذين كانوا يعدونني بإجراء الحوار، وفي الرابع من دجنبر 2004 تلقيت من المسؤول عن البروتوكول مكالمة وهو الذي هاتفني ليخبرني باللقاء».

ويبدو أن تفجيرات مدريد التي تورط فيها مواطنون مغاربة هي التي عجلت بالحوار، فضلا عن قرب سفر الملك إلى إسبانيا للقيام بأول زيارة لهذا البلد وهو على عرش المغرب. توصل الملك بنص الحوار كما اتفق على ذلك سابقا لكنه لم يغير الكثير من نص الحوار فالمراجعة تناولت فقط بعد التنقيحات الطفيفة في الأسلوب.

الحسن الثاني يكلف الستوكي بمرافقة صحافي فرنسي استجوب الملك إلى كازينو

يعتبر عبد الله الستوكي من مؤسسي صحافة حزبي التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري، وأحد مؤسسي الإعلام الشيوعي ووكالة المغرب العربي للأنباء، ما مكنه من الاقتراب أكثر من التفاعلات السياسية والاجتماعية والإعلامية التي عرفها المغرب.

على امتداد مساره المهني الذي دام عقودا طويلة، كتب للرجل أن يلتقي بالملك الحسن الثاني. يقول عبد الله في أحد حواراته الصحفية: «لقائي الأول معه كان عندما كنت أعمل في الوزارة الأولى بعد مرور مدة قصيرة على المسيرة الخضراء، إذ قدمت له كتابا عن تلك الملحمة.

لكن التكليف الذي ظل راسخا في ذهنه، هو حين استقبل الملك الراحل لصحافي فرنسي من محطة «راديو سكوبي»، يدعى جاك شانسيل، الذي أنجز حوارا مع الحسن الثاني، بل إنه كان شاهدا على كواليس هذا الحوار، حيث أبرز أن العاهل المغربي أضفى على الاستجواب لمسه مرحة، إذ توجه للصحافي الفرنسي بالقول: «هل تعتقد أنه يمكن في ساعة واحدة أن نلم بشخص ما؟ وماذا لو أنني بدأت لعبة الاستجواب؟» فأجابه جاك: «لكن يا صاحب الجلالة، ابدأ».

طلب من الستوكي بعد انتهاء جلسة حوار، مرافقة الصحافي إلى كازينو مراكش، لأن القصر علم أن جاك شانسيل كان لاعبا بارعا، «وطلب من مولاي أحمد العلوي أن يعطيني مبلغ 10 آلاف درهم، لم أتسلم منه شيئا»، يقول الستوكي في نفس البوح.

حسب الستوكي فإنه اضطر لأداء نفقات تواجد الضيف الإعلامي في الفندق، لكن لحسن حظه أن شانسيل ركز خلال وجوده في الكازينو على ممارسة هوايته في البوكير دون أن يأكل أو يشرب شيئا.

أحمد سعيد.. أحب الصحافيين العرب إلى قلب محمد الخامس

أكثر الرسائل تأثيرا على الرأي العام هي التي كتبها محمد الخامس من منفاه، إلى عدد من الزعماء العرب، وكان يوظف الإعلامي المصري أحمد سعيد كـ «مرسول السياسة» باعتباره رئيسا لإذاعة صوت العرب الواسعة الانتشار في تلك الحقبة الزمنية.

في حواره مع جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، كشف أحمد سعيد عن الدور الذي لعبه في القضية المغربية، وكيف نقل رسائل من الملك محمد الخامس إلى الزعيم الراحل علال الفاسي والرئيس المصري جمال عبد الناصر وشيخ الأزهر، وكيف ساهم في تدبير لقاء بين الملك وقادة الثورة الجزائرية وعلى رأسهم الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلة.

وقال الإعلامي المصري إن سيدة ملغاشية اسمها فاطمة الزهراء حميري من أصول يمنية، زارته يوما في مقر الإذاعة، كانت تشتغل كممرضة لمحمد الخامس في منفاه بمدغشقر، «معها ثلاثة رسائل من الملك محمد الخامس، رسالة لنا في صوت العرب ورسالة لشيخ الأزهر ورسالة ثالثة لأخيه عبد الناصر، الرسائل لم تكن مكتوبة بل إن السيدة كانت تحفظها عن ظهر قلب وتستظهرها كطالبة.

جاء في الرسالة الشفوية الموجهة للإذاعة: «عليكم بمهاجمة الكلاوي وعليكم الإشادة بالأبطال المغاربة الأمازيغ الذين يقاومون الاستعمار الفرنسي وليس الأمازيغ في المغرب فقط ولكن في الجزائر أيضا».

بعد حصول المغرب على الاستقلال وشح رئيس الإذاعة بوسام ملكي من يد محمد الخامس، ثم نال في عهد الملك محمد السادس وساما آخر، كما زار الملك الحسن الثاني مقر الإذاعة وهو ولي للعهد، «كان محبا للفن وكان من بين ما طلبه مني عندما زارنا في مكاتب واستوديوهات صوت العرب، أن ننظم سهرة فنية على مركب في النيل فدبرنا ذلك، وكانت ليلة مقمرة لحسن الحظ وقضينا ليلة جميلة جدا، وعزف ليلتها الملك على العود وكل ذلك تم تسجيله وبث عبر الإذاعة».

عثمان العمير.. حاور الحسن الثاني ودعي لكتابة تقديم لسيرة الملك

ارتبط عثمان العمير بالصحافة المغربية حين اشتد عوده وانتفخ رصيده، إذ استشرى مجموعة «ماروك سوار» التي تصدر صحف «لوماتان» و«الصحراء» ثم «ماروك سوار»، ومطبوعات أخرى.

مكنته مهمته كرئيس تحرير لصحيفة الشرق الأوسط من لقاء الملك الحسن الثاني في أكثر من مناسبة، إلى أن توطدت العلاقات بين الرجلين، وأصبح العمير حاضرا في كل المناسبات التي تقام في القصر الملكي وفي رحلات الملك، ووصف العمير علاقته بالعاهل المغربي بالحكيم «استمتعت بصحبته كنت في ذلك الوقت أصغر وهو كان يؤمن بتشجيع الصحافيين الشباب. لقد كان رجلا حكيما وليس إنسانا عاديا. لقد كانت علاقتنا مثمرة جدا. اختارني لأنني كنت أحد الصحافيين الذين كانوا يعرفونه من قبل وكان يعلم أني أحب المغرب وأحب ثقافته»، بل إن الملك طلب من عثمان كتابة مقدمة لمذكراته.

تحول عثمان إلى ناشر لموقع «إيلاف» الإلكتروني، لكن ذكرياته مع الزعماء ارتبطت بمساره في الصحافة الورقية، حيث تحدث في لقاء صحفي مع الإعلامية جيزيل خوري، على قناة «بي بي سي» العربية عن مشاهد من حياته جمعته بزعماء عرب وأجانب، من بينهم الملك الحسن الثاني.

قال العمير، المعروف بعلاقته الوثيقة بالملك السعودي الملك سلمان، إنه في عام 1980، أثناء زيارة الملك خالد المغرب، أجرى مقابلة صحفية مع الملك الراحل الحسن الثاني، ومنذ ذلك الوقت توطدت علاقة خاصة بينهما.

سألته خوري: «ما سر اختيارك أنت بالذات؟ أَكل صحافي يقابل ملكا يصبح مقربا منه؟»، فيجيب: «كانت العلاقة نابعة من شخصية الملك وليس من شخصية الصحافي، فهناك ألف صحافي وقلة قليلة من الملوك، وهم يختارون من يريدونه، وأعتقد أن هذا عطف، وليس علاقة بين أنداد».

وأضاف: «كان الملك المغربي يسديني النصائح دائما، وكان يستمع أكثر مما يعطي، وذكيا في لمحاته، أذكر مرة كان هناك مؤتمر عربي سيعقد ودعي إليه المغرب، فرفض وقال إن المغرب لا يستدعى، وكان يتميز بالكثير من الحزم، وكان معلما، يجلس كل صباح مع مجموعة من معاونيه فيطرح عليهم قضية، يستمع إليهم ثم يدلي بدلوه، ثم يذهب للعب الغولف، وكان يحب عقد الاجتماعات ولعب الغولف».

ظل عثمان يتلقى دعوات الحضور للمناسبات الكبرى في القصر، وقال في تدوينة عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، صباح يوم 9 يوليوز 2016، إنه أحس بروح الملك الراحل الحسن الثاني تطوف به، عقب حضوره حفل عقيقة نجل الأمير مولاي رشيد.

جان دانييل.. صحافي أجرى حوارا مع كينيدي والحسن الثاني فماتا بعد أيام

ظل الصحافي الفرنسي جان دانييل أكثر ارتباطا بالشأن المغاربي، وهو الذي ولد في مدينة البليدة الجزائرية، وحرص في افتتاحياته على أهمية فتح الحدود بين البلدين، لكنه ارتبط بصداقة راسخة مع الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، الذي كان صلة وصل بينه وبين الملك الحسن الثاني.

في كتابه «هذا الغريب الذي يشبهني» كشف جان دانييل جزءا من علاقته بالمغرب، خاصة وأنه ظفر بآخر حوار مع الحسن الثاني قبل رحيله، وهو الذي عرف بحواراته مع الملك، كما تحدث عن دور عبد الرحيم بوعبيد في ترسيخ العلاقة مع القصر.

أشعل عدد من ذوي النيات السيئة فتيل النزاع بين الصحافي والقصر، واعتبروا أصول الصحافي الجزائرية كافية لشن هجوم عليه والاصطفاف في جبهة معارضي أفكاره. بل منهم من يصر على ربط الصحافي بأصوله اليهودية حيث كان دانييل ينتمي إلى عائلة يهودية متواضعة. وحين كبر الفتى تمكن من نسج علاقات مع مشاهير الزعماء السياسيين في الغرب والشرق، وأصبح صديقا للبعض منهم من أمثال الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، والزعيم الجزائري أحمد بن بلة ثم الحسن الثاني. ولم يكتف دانيال بالزعماء العرب والفرنسيين بل اشتهر بحواراته النارية مع كبار القادة أمثال الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي، والزعيم الكوبي فيدال كاسترو. والطريف في هذا المسار الإعلامي أن جان حاور زعيمين قبل وفاتهما بأيام قليلة وهما كنيدي والحسن الثاني.

شد دانييل الرحال إلى الرباط بعد أن تلقى موافقة من التشريفات والأوسمة ووزارة الاتصال، وظل في أحد فنادق الرباط ينتظر موعد الاستجواب، انتهى بالظفر بحوار مطول نشرته «نوفيل أوبسيرفاتور» في عدد 8 يوليوز 1999، لكن المثير في هذا اللقاء هو السؤال الأخير الذي يجعل المتلقي يفهم منه أن بوادر رحيل الملك قد ظهرت للصحافي حين وجه إليه السؤال التالي: «هل تشعرون يا صاحب الجلالة أحيانا ببعض الندم والحسرة وأنتم تتأملون حياتكم؟»

كان جواب الحسن الثاني أشبه باعتراف اللحظات الأخيرة: «أجل، وحسرتي الكبيرة هي أنني كنت أميل إلى رؤية تلقائيتي في الآخرين، وكنت أمنح ثقتي بسرعة دون أن أضع الأشخاص على المحك».

اعترف الصحافي الفرنسي بأن عبد الرحيم بوعبيد هو من كان يرسل إليه الأسئلة التي يفترض أن توجه للملك، ويدعم موقفه الرافض لاعتقال السياسيين دون محاكمة عادلة. لكن الطريف في هذا التقارب أن الحوار أجري في ذكرى ميلاد الصحافي وخصص للحدث حفل بسيط زرع الدفء في علاقة الرجل بالقصر، وذوب الصراع الذي عمر عقدين من الزمن.

استغل الصحافي اللقاء وقدم له ملتمسا لإطلاق سراح بعض اليساريين، فاستجاب الملك للمطلب على مضض، وهو يعرف أن عبد الرحيم بوعبيد هو صاحب المقترح، واعترف دانييل بأنه ساهم إلى جانب الوزير السابق ميشيل جوبير، في العفو الممنوح لبعض السجناء.

حميد برادة.. ثلاث محاولات من أجل إجراء حوار مع الحسن الثاني لم يتحقق

اعترف حميد برادة الصحافي والمحلل السياسي والمعارض السابق باستقباله من طرف الملك الحسن الثاني في ثلاث مناسبات، وقال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» إنه حظي بلقاء الملك ثلاث مرات. في اللقاء الأول كان الغرض من اللقاء إجراء حوار معه حول الصحراء من أجل إنجاز فيلم كندي حول المغرب، وكان القائمون على الفيلم في حاجة إلى إجراء حوار مع الحسن الثاني، وفعلا تمكن الفريق الكندي من إنجاز الفيلم، ومر الحوار مع الملك في ظروف جيدة، حيث نشرت فقرات منه في مجلة «جون أفريك».

يقول برادة إن الملك دعاه بعد الحوار إلى جلسة سأله فيها عن مشروع إنشاء صحيفة، «أجبته بأنني سأصدر صحيفة مستقلة ماليا»، يقول برادة، لكن الرد لم يعجب الحسن الثاني، يقول الصحافي المعارض في حوار مع الشرق الأوسط: «أدركت من خلال سؤاله أنه يطلب مني إصدارها، وأن جوابي كان غير لائق. ولتصحيح الخطأ اقترحت عليه فكرة إنجاز كتاب معه، لأنه بهذه الطريقة سأكسب ثقة الراغبين في المساهمة المالية في إنشاء الصحيفة، خصوصا أنني أنجزت كتابا عن العقيد الليبي معمر القذافي، فابتسم وسألني: لماذا كل هذه السرعة؟ وأعطيته مثال القذافي الذي خصص لي ست ساعات من وقته، لكنه لم يكن يجيب على الأسئلة، لأنه يريد أن يكون فيلسوفا، لكن جلالتك تجيب عن الأسئلة بدقة. وأشرت أيضا إلى أن فرانسوا ميتران، أنجز كتابا في نهاية أسبوع مع أحد الصحافيين الجيدين». نادى الملك على رئيس وزرائه عبد اللطيف الفيلالي، وطلب منه أن يجد له عشر ساعات خلال شهر شتنبر، وكنا وقتها في شهر غشت 1986، لكن اللقاء لم يتحقق، ما دفع برادة إلى كتابة رسالة إلى الملك سلمها إلى الوزير مولاي أحمد العلوي، ضمنها اقتراحا جديدا بإجراء حوارات مطولة مع الحسن الثاني حول العالم العربي.

أمام رفض القصر، اختار برادة مسلكا آخر، حيث قام بتحفيز جان دانييل، مدير مجلة «لونوفيل اوبسرفاتور» الفرنسية، من أجل إجراء حوارات مع الحسن الثاني، واتصل بمولاي أحمد العلوي للتنسيق معه.

خواكين استفانيا.. حوار مع الملك الحسن الثاني مع طلوع الفجر

في عام 1989 ظفر خابير بالنثويلا بحوار مع الملك الراحل الحسن الثاني بمعية خواكين استيفانيا، مدير صحيفة «إيل باييس»، ولعب فيليبي غونزاليث دورا كبيرا في انتزاع موافقة الملك على المقابلة الصحفية، لكن الطلب مر عبر قنوات أخرى..

يقول خابير في تصريح صحفي وهو يستحضر الحدث، «تقدمت باسم الصحيفة بطلب لدى وزير الداخلية آنذاك ادريس البصري الذي سجل الطلب لديه، وبقيت أنتظر أن يتصلوا بي من أجل تحديد موعد لإجراء أول مقابلة لصحيفة إسبانية مع الملك الراحل، وقال لي البصري بعد ذلك إن الملك وافق على إجراء الحوار ويجب علي نقل خبر الموافقة إلى مدير الصحيفة «خواكين استفانيا» الذي سيجري بمعيتي المقابلة، وكانت التفاصيل التي زودني بها البصري تشير إلى أن المقابلة ستجرى في مراكش، لذلك علينا نحن الاثنين، أنا ومدير الصحيفة، أن نحضرا بمراكش قبل تاريخ حدده للمقابلة».

يضيف الصحافي الإسباني: «أصر البصري على أن نصل إلى مراكش قبل يومين من الموعد، وحجز لنا غرفتين في فندق المامونية بمراكش حتى يبقى على اتصال معنا، وفي اليوم الموالي نظم البصري حفلا لتكريم مدير «الباييس»، حضر الحفل والي مراكش ونوابه ووالي الأمن».

حل يوم المقابلة الصحفية دون أن يتلقى الصحفيان إشعارا من الوزير، واضطرا لتمديد مقامهما في مراكش بدعوة من البصري الذي كان مع نهاية كل يوم يجد العذر المناسب.

في اليوم الخامس قرر مدير الصحيفة الإسبانية العودة إلى مدريد، بعد أن نفد صبره كما نفدت مبررات البصري الذي كان يعرج كل يوم على فندق المامونية من أجل تفقد أحوال الصحافيين، وكان يسأل عن رأيهما في المشوي والكسكس وجامع الفنا.

غضب البصري من الصحفي الفرنسي حين سأله: «هل الملك الحسن الثاني على علم بأن مدير «الباييس» موجود هنا لإجراء مقابلة صحفية معه؟»، وفي اليوم الموالي حجز خواكين استفانيا مقعدا له في الطائرة المتوجهة إلى مدريد وترك للبصري رسالة شكر، على كرم الضيافة.

«في الساعة الثالثة فجرا، سمعنا قرعا قويا على الباب، وفتحنا أبواب غرفنا، وخرجت أنا تقريبا بملابسي الداخلية، لأقف على مشهد سريالي: حوالي ثلاثين شخصا يرتدون ربطات العنق وذوي بنيات قوية، وكان يتقدمهم ادريس البصري، وميزت بينهم الوالي ووالي الأمن وأشخاصا آخرين، وقبل أن أفرك عيني لأرى المشهد بوضوح، قال لنا البصري بفرنسيته البدوية: «هيا ارتديا ملابسكما بسرعة، فصاحب الجلالة سوف يستقبلكما».

أمام الفندق وقفت 12 سيارة مرسيديس، انطلقت بسرعة جنونية صوب القصر الملكي، حيث كان الجميع في انتظار الصحافيين، اعتذر الملك عن التأخير وشرع في الرد على الأسئلة إلى ساعة مبكرة من الصباح.

الناطق الرسمي باسم المقيم العام كيوم ينسج علاقات صداقة مع محمد الخامس

بدأت علاقة الصحافي الفرنسي جون لاكونتير بالمغرب سنة 1949، حين عين بالإقامة العامة الفرنسية، وأصبح عضوا بمصلحة الإعلام لدى المقيم العام بالرباط، بموازاة مع ذلك نشط برامج براديو المغرب.

عاش هذا الصحافي التفاصيل الدقيقة لترحيل الملك محمد الخامس إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر، وهو الذي كشف عن سر تغيير مقر نفي السلطان، وقال: «مدغشقر الفيشية تمثل فرصة أكبر من أجل عزل منفى محمد الخامس، والتحكم أكثر في مراقبته، وجعله أكثر بعدا عن أنظار العالم». كما قدم تفاصيل عن لقائه بالملك محمد الخامس، إذ أكد له أن الإقامة العامة قامت بتكليف الكولونيل تويا، قائد قوات درك «الجزيرة الكبرى»، باستقبال السلطان، مضيفا في بلاغ بأن محمد الخامس قد حل بمنفاه رفقة ابنيه وزوجته الثانية التي كانت حاملا في شهرها السادس. كان مكلفا بالإشراف على سلامتهم، لذلك عمل على نقلهم على وجه السرعة إلى أنتسيرابي. وفي تلك الظروف الصعبة، سيكون هذا الرجل فرصة لمحمد الخامس وبالأخص لفرنسا، حيث ظل يطمئن الملك قائلا: «الفشل الذي شهدته كورسيكا لن يتكرر هاهنا».

وجاء في كتاب «خمسة رجال وفرنسا» لجون لاكونتير الصادر سنة 1961: «رغم أن القادمين كانوا متعبين، والحزن يغلفهم، إلا أنهم لاحظوا أن الضابط الذي كان مكلفا بالإشراف عليهم كان رجلا شريفا بذكاء منفتح وبوفاء كبير. وهنا أيضا، تم تجنب الأسوأ، فقد كان المنفى فرصة لاستعادة صورة فرنسا الودودة».

بعد عودته من فيتنام، سافر جان لاكونتير إلى المغرب ليكون السكرتير الصحافي للجنرال جوان، المعروف بميوله الكولونيالية الرافضة لكل حركة وطنية تطالب باستقلال بلادها، غير أن الصحافي الشاب الذي يكره الوصاية والتملق لم يكن مطيعا للجنرال المذكور. وكان يحب أن يتعرف بطرقه الخاصة على أحوال المغرب، وعلى شخصياته المهمة. وفي المغرب التقى جان لاكونتير بسيمون فيولان التي كانت تعمل مراسلة للوكالة الفرنسية للأنباء، والتي كانت تدافع بشراسة عن قضايا التحرر في البلدان المولى عليها فتزوجا سريعا.

محمد الخامس ينصت لمراسلات ستيفن هيوز والحسن الثاني يلقنه درسا في الصحافة

ولد ستيفن هيوز سنة 1924 في لندن، لكنه قضى الجزء الأكبر من حياته في المغرب متنقلا بين الدار البيضاء والرباط إلى أن لقي ربه سنة 2005. قالت عنه صحيفة «القدس» إن هيوز قضى أكثر من نصف قرن في المغرب و«كان من الأوروبيين الذين أحبوا هذا البلد». خلال مقامه في المغرب اشتغل مراسلا صحافيا لعدد من المؤسسات الإعلامية البريطانية والأمريكية، مثل «نيويورك تايمز» و«التايم» و»هيرالد تريبيون» وهيئة الاذاعة البريطانية «بي بي سي».

عايش الرجل مغرب الحماية ومغرب الاستقلال، وكان شاهدا على العصر في كثير من الأحداث السياسية قضاها في ظل الملك الحسن الثاني. وقد سجل انطباعاته عن هذه الفترة في كتابه الذي صدر قبل رحيله بعامين، تحت عنوان: «المغرب في ظل الحسن الثاني».

كشفت سطور الكتاب عن وجود ستيفن في مواقع الحدث، خاصة ما حصل في انقلاب الصخيرات صيف 1971، حيث يروي قصة «هروب أحمد رضا اكديرة من مجلسه مع الملك وتحرك هاربا بسيارته، وعندما اعترضه الانقلابيون، طلب اكديرة سائقه أن يتحرك ليتمكن من الهروب». مضيفا بأنه حضر لقاء رسميا سمع فيه الملك يسخر من رضا ويذكره بركضه يوم الانقلاب.

كشف الصحافي البريطاني عن تفاصيل عودة السلطان محمد الخامس من منفاه في جزيرة مدغشقر، وكيف تمكن من نقل وقائعها على بعد خطوة واحدة من السلطان في ظل اختناق رهيب، كما استعرض معظم الأحداث التي اشتعلت في داخل القصر الملكي، خاصة حكاية استعطاف الباشا التهامي لكلاوي للملك محمد الخامس.

كما عاش هيوز فترات غضب من الملك خاصة في تناوله لموضوع المهدي بنبركة، بل إن الحسن الثاني تحدث معه مرارا حول دور الصحافي الأجنبي كموثق أكثر منه «منظر»، سيما في تناوله لملفات غاية في الحساسية كاليسار خاصة فصيل «إلى الأمام»، وملف الصحراء. رد هيوز على الحسن الثاني بجرأة نادرة: «سيدي أنا أتفادى الإثارة التي تغلب على كتابات الصحافيين الآخرين، وأرفض السقوط في كتابات التمجيد التي برزت من داخل النخبة التي أحاطت بالنظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى