في قلب عالم بلافريج وبوعبيد والآخرين.. عاش العلوي معارك الوطنيين ضد فرنسا
مذكرات مولاي المهدي العلوي

يونس جنوحي
كانت ثانوية مولاي يوسف في الرباط، قِبلة لعدد من الأسماء التي برزت في الساحة السياسية في الخمسينيات والستينيات. ولم يكن مولاي المهدي العلوي استثناء، فقد مر بدوره من هذه المحطة. لكن الاستثنائي في حالته، أنه التحق بها بعد أن حصل على الشهادة الابتدائية، وفق نظام المترشحين الأحرار..
لعب التكوين الذي تلقاه مولاي المهدي العلوي داخل مجموعة مدارس “جسوس” الوطنية، دورا كبيرا في صقل وعيه الوطني. ويحكي عن أجواء الدراسة خلال أواسط الأربعينيات، قبل مرحلة التحضير للباكالوريا، قائلا:
” في سنتي الأولى بمدارس جسوس كان الجو مُفعما بالوطنية وكُنت مواظبا، مع زملائي على حضور الدروس، التي يقدمها، بكل تفان، كبار الأساتذة الوطنيين، وكنا نتابع من خلالهم ما يعتمل في أمور السياسة. بيد أن الموسم الدراسي التالي 1943-1944 سيشهد إقفال المدرسة بعد اقتحامها من قبل جنود الاستعمار والعبث بأبنيتها وبمحتوياتها، ردّا على ارتفاع وتيرة المقاومة ضد المستعمر الفرنسي والأحداث التي رافقتها.
ففي هذا العام، ستشهد حركة مقاومة الاحتلال طفرة نوعية بتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، وكان من الموقعين على الوثيقة كبار الشخصيات الوطنية مختلف أنحاء المغرب، من بينهم شخصيات مرموقة من مدينة سلا هم: سيدي أبو بكر القادري والسيد عبد الرحيم بوعبيد والسيد الطاهر زنيبر والسيد محمد البقالي والسيد قاسم الزهيري والسيد الصديق بلعربي والسيد أبو بكر الصبيحي.
وأذكر أن هذا اليوم كان غير عاد في المدرسة، فقد لاحظنا حركة دؤوبة داخل الساحة وفي محيطها، كما لا حظنا وجود أشخاص غرباء عن المدرسة لم نعهد وجودهم فيها، يمكثون بعض الوقت في ضيافة الحاج أحمد بلافريج، مؤسس المدرسة، التي تحمل اسم خاله محمد جسوس، ثم يغادرون لتحل فئة أخرى، مما حذا بنا إلى الاستفسار عمن يكون هؤلاء وأولئك، وما إذا كان للأمر علاقة بما كان يموج حينها من حراك صامت في الشارع يوحي بقرب اندلاع الثورة ضد المستعمر الفرنسي”.
بعد هذه المرحلة، التحق العلوي بثانوية مولاي يوسف، وفيها وُضع على السكة الصحيحة التي ساهمت في انطلاق مساره السياسي والنضالي، إلى جانب أسماء أخرى، من هناك.
يحكي مولاي المهدي العلوي في مذكراته: ” في هذا الوقت، قررت إدارة التعليم بالثانوية المشكلة من أطر فرنسية إحداث ما يسمى بالفصل السادس التحضيري، وذلك إمعانا منها في مضايقة أبناء المغاربة، بعدما كان الطالب يلتحق مباشرة بسلك الإعدادي بعد نيل شهادة الدروس الابتدائية. وهو إجراء كان يستهدف، في واقع الأمر، إطالة مدة التكوين، وإرغام الطلاب على مغادرة فصول الدراسة، حتى لا يكملوا مشوارهم الدراسي.
وقد ضمت هذه المؤسسة المرموقة بين حجراتها وفصولها المتعددة أسماء شخصيات مغربية سيكون لها شأن في ما بعد، من بينهم أحمد الطيب بنهيمة والسيد حسن الزموري، الذي ينحدر من تغجيجت، شمال كلميم، قبل أن ينتقل والداه إلى منطقة زمور، وقد شغل منصبا وزاريا في ما بعد، والسي محمد القبلي، المدير الحالي للمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، والسيد عبد السلام بن عيسى، الذي شغل منصبا وزاريا في إحدى الحكومات، وغيرهم كثير ممن شغلوا أعلى المناصب والرتب غداة الاستقلال.
بعد اجتيازي للفصل السادس التحضيري والفصل السادس العادي بثانوية مولاي يوسف، اقترح علي السيد عبد القادر بن بركة، شقيق المهدي بن بركة، الالتحاق بإعدادية الليمون، حتى أتمكن من كسب سنة كاملة، والالتحاق مباشرة بالسنة الرابعة إعدادي، بعد اجتياز اختبار خاص .
عندما حلت سنة 1953، التي عاش خلالها المغاربة الانطلاق الفعلي للمقاومة المسلحة ضد الحماية الفرنسية، بعد نفي السلطان سيدي محمد بن يوسف، كان مولاي المهدي العلوي قد حصل للتو على شهادة الباكالوريا، في ظل تلك الأجواء المشحونة.
كان الوعي السياسي لمولاي المهدي العلوي قد تشكل منذ أحداث المواجهات بين المواطنين السلاويين المشاركين في المظاهرات، والبوليس الفرنسي منذ 1944، وما بعدها. لكن بعد الحصول على الباكالوريا سنة 1952، لم تكن الاحداث وحدها ما تغير في المغرب، فقد كان مولاي المهدي العلوي بدوره قد انتقل إلى المرحلة الموالية في نضاله الشخصي ضد الظروف العصيبة المحيطة به.





