
حسن البصري
حين كان جمهور الاتحاد البيضاوي يشد الرحال إلى مدينة وجدة في «مسيرة بيضاء»، كتب عاطف الطاساوي على جداره الفايسبوكي مرثية تحت عنوان «يتيم في العيد»، يلوم فيها الضغط الدموي وبعد المسافة على تحالفهما ضده، وحرمانه من حضور ليلة العمر في حياة أبناء الحي المحمدي. تمنيت وأنا أقرأ سطور مرثيته أن أحمله في سيارة إسعاف مجهزة وأن أنقله على وجه السرعة إلى الملعب الشرفي، وحين يستيقظ من غفوته يسألني بنبرته الغيوانية «فين غادي بيا خويا»، لكن ما باليد حيلة.
لا يوجد فريق مغربي رد الاعتبار للفنانين المتيمين بحبه سوى «الطاس»، رغم أن الاتحاد البيضاوي ورموزه لا وجود لهما في الطرب الغيواني، يحسب للمكتب المسير لفريق الحي المحمدي إصراره على أن يكون فنانو كريان سنطرال ومبدعوه ضمن البعثة الرسمية للنادي. فيما لا تزال الحاجة الحمداوية الرجاوية تمني النفس بالتفاتة في إحدى مباهج الفريق الأخضر ولسان حالها يقول «دابا يجي الكبيدة دابا يجي»، أما الداودية عاشقة الوداد فتطلق تحذيراتها من جحود يسكن وجدان المسيرين «حذار.. حذار».
في صيف سنة 1981 الحارق سياسيا، وبعد أيام من اندلاع إضراب «كوميرة»، غنت مجموعة ناس الغيوان في ملعب «الطاس»، وفي التسعينات انضم العربي باطما إلى المكتب المسير للفريق، وأطلق اسمه على الملعب، لكن السلطة سرعان ما تراجعت ومسحت اسمه من البوابة الرئيسية، وكأن الرجل سقط سهوا على الملعب.
يجب أن نعترف بأن فوز «الطاس» بكأس العرش، قد دفع العديد من أبناء الحي إلى تجديد الانتماء لفريق الحي، بعد أن عاشوا سنوات مساندين لفريقي الرجاء والوداد على سبيل الإعارة، اليوم يعلنون توبتهم ويلبسون اللون الأبيض وهم يرددون «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا»، ثم اندسوا وسط حشود المشجعين.
علينا أن نعترف أيضا بأن الكرة قادرة على تحقيق السلم الاجتماعي، فظفر «الطاس» بلقب كأس العرش، ألغى وقفات احتجاجية وأجل غضبة الباعة المتجولين، ورسم على الحيطان المهملة صور الاتحاد ورموزه، وجعل الجميع يلغي النميمة في المقاهي ويستبدلها بدروس التاريخ. للفوز بعده السياسي أيضا، فقد غير رؤساء المقاطعات اتجاه حافلات الجماعة حيث كانت لها وجهة واحدة نحو الشرق، بعد أن كانت تنقل في نهاية كل أسبوع الكائنات الانتخابية إلى حامة مولاي يعقوب.
في مقاهي الحي المحمدي، يتجدد الحديث عن العربي الزاولي الذي باع متاعه كي تعيش «الطاس»، عن ابنته سميرة التي ضحت بوظيفتها في سبيل فريق كان حيا لا يرزق، عن بؤسا الذي موه خصما بجسده فأصيب المدافع بالحول المزمن، والعهدة على الراوي، عن تسديدات نومير التي كلما ارتطمت بمشجع إلا وحمله أهله على وجه السرعة إلى أقرب مصحة، عن الحارس الخليفة الذي قيل إنه كان يغير عجلات سيارته بيده دون الحاجة إلى عتاد أو «كريك» حتى..عن «كيرا» ابن حي سوسيكا، الذي كان يصيح من خلف المرمى محذرا الحارس من غارات الخصوم، مطالبا المدافعين بتسوية الصفوف ورصها وكأنه إمام مسجد.
قالت الشاعرة غادة السمان، في قصيدتها «حبك ككرة القدم»، إنها مثل حارس مرمى لحظة ضربة الجزاء، يبدو يقظا خوفا من الهزيمة، لكن الحب هزمها بعد أن اكتشفت أن مرماها بلا حراس، هكذا هي «الطاس»، ابتلاء من الله يمنحك فرصة لتكون أنت المتفرج والمدرب.
من شدة عشق «الطاس» فأنت المتفرج والمصفق والحكم واللاعب والراعي الرسمي، لأن الحب هو المباراة الوحيدة التي لا يمكن أن تنتهي بالتعادل، ففي نهائي كأس العرش تنازل أبناء الحي عن عشيقاتهم، وعادوا للصلاة على قبلة «الطاس» حتى وإن استباحت يوما خداعهم.
سلام على الحب يوم يجيء ويوم يموت ويوم يغير أصحابه.



