الرأي

ما هي خريطة تركيا السياسية المقبلة بعد استقالة أوغلو؟

انتهت العلاقة الاستراتيجية بين رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه، منظر حزب العدالة والتنمية أحمد داوود أوغلو، والسبب، حسب معظم التحليلات، هو ديكتاتورية الأول، وتطلعاته إلى الزعامة التاريخية، وطموحات الثاني التي وصلت إلى سقفها الأعلى، إلى جانب الغيرة والتنافس الشخصي على الزعامة، واختلاف الرؤى.
أحمد داوود أوغلو خسر رهانه على الزعامة منذ انهيار نظريته «صفر مشاكل» مع الجيران، التي أوصلت تركيا إلى المرتبة 17 كأقوى اقتصاد في العالم، وحولتها إلى قوة إقليمية عظمى، زاوجت بين الديمقراطية والاسلام المعتدل، وتأكدت هذه الخسارة عندما أصر معلمه أردوغان على الاستيلاء على معظم صلاحياته التنفيذية، ورفض أن يكون رئيسا صوريا، أو «خيال مآتة»، مثلما يقول إخوتنا في مصر، أي مثل عدلي منصور، هل تذكرونه؟
استقالة أوغلو من رئاسة حزب العدالة والتنمية، وبالتالي من رئاسة الوزراء، كانت متوقعة، خاصة بعد تفاقم الخلافات بينه وبين رئيسه أردوغان، وتزعمه تيارا في الحزب يعارض طموحات الأخير الرئاسية، وتغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي مطلق.
موقع «تيلكوم فايل» التركي الشهير نشر قبل أسبوعين تحقيقا مطولا عن الخلافات بين الرئيس أردوغان ورئيس وزرائه فاجأ الكثيرين، وأكد أنه إلى جانب التنافس بين الرجلين على الزعامة والصلاحيات، وصراع الإرادات بينهما، هناك جوانب أخرى من بينها رغبة أوغلو في رفع الحصانة البرلمانية عن 80 نائبا في الحزب الحاكم تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة بتهمة الفساد، الأمر الذي عارضه الرئيس أردوغان بقوة، لأن من بينهم نسبة كبيرة من المقربين منه، وكانت هذه الخطوة هي «المفجر» لأزمة الثقة بين الرجلين.
خطورة هذا الخلاف الذي يوصف بأنه «زلزال»، أو «انقلاب القصر»، أنه يأتي في وقت تواجه فيه تركيا أزمات على أكثر من جبهة داخليا وخارجيا، ففي الداخل هناك التفجيرات الارهابية التي وقعت في إسطنبول وأنقرة، ووصلت قبل أسبوعين إلى منتجع بورصة السياحي، وأصابع الاتهام توجه إلى «الدولة الاسلامية»، وجماعات كردية متطرفة، وهناك أيضا الحرب الدموية مع حزب العمال الكردي الانفصالي إثر انهيار اتفاق الهدنة قبل عام، وفوق هذا وذاك تراجع الاقتصاد، وانخفاض قيمة الليرة التركية، وارتفاع نسبة التضخم، ووصول نسبة النمو إلى أقل من أربعة في المئة، وفي الخارج هناك الحرب في سورية، وتورط تركيا فيها، وفشل كل رهاناتها على إقامة مناطق عازلة، والأزمة مع روسيا، وتدهور العلاقات مع الجوار التركي الأوروبي، وخاصة اليونان ورومانيا وبلغاريا وأرمينيا.
الرئيس أردوغان، ومثلما قال مقربون منه، اشتاط غضبا بمجرد وصوله معلومات عن رغبة حليفه وذراعه الأيمن في فتح ملفات الفساد، ورفع الحصانة عن نواب الحزب وبما يؤدي ربما إلى الاضرار به وسمعته، وربما الوصول إليه لأن بعض هؤلاء النواب مقربين جدا منه، وهذا لا يعني الجزم بأنه متورط في هذا الملف الشائك، وكانت هذه الخطوة هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
أما الخطأ الآخر الذي يعتقد أردوغان أن أوغلو ارتكبه، فهو اعترافه على الهواء مباشرة بأنه هو الذي أعطى التعليمات، كرئيس للوزراء، بإسقاط الطائرة الروسية قرب الحدود السورية الأمر الذي خلق أزمة حادة مع روسيا، وفشلت كل محاولات أردوغان لعقد لقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين لحلها، الأمر الذي أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية روسية موجعة ضد تركيا.
ماذا سيحدث الآن؟ هناك إجابات متعددة أبرزها الدعوة إلى انتخابات برلمانية عامة في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، أي قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويأمل الرئيس أردوغان أن تحقق له الحصول على 50 مقعدا إضافيا، بحيث يحصل حزبه على أغلبية الثلثين في البرلمان (550 مقعدا)، حيث يملك حاليا 317 مقعدا، الأمر الذي يؤهله لتعديل الدستور، وجعل نظام الحكم رئاسيا.
بورصة الترشيحات التركية تقول إن هناك عدة مرشحين أقوياء لخلافة أوغلو، الأول هو نعمان قورتوكموش، المتحدث باسم الحكومة، وبكير بوزداج، وزير العدل، وبنيالي يدليريم، وزير النقل، وهناك من يطرح أيضا اسم وزير الطاقة بيرات البيرق، صهر الرئيس، ولكن حظوظ بوزداج هي الأكبر لأنه أكثرهم ولاء للرئيس، ولأن صحيفة تركية نشرت صورة لوزير النقل في أحد كازينوهات القمار في سنغافورة.
وهناك سؤال آخر يتناسل من السؤال الأول، وهو حول مصير أوغلو؟ لا توجد إجابة حاسمة، ولكن المؤكد أنه لن يعود إلى الجامعة لتدريس العلاقات الدولية، وهناك تلميحات بأنه قد يشكل حزبا جديدا، يجذب إليه كل المعارضين للرئيس أردوغان في حزب العدالة والتنمية، علاوة على أعضاء في أحزاب أخرى وعنوانه الرئيسي العودة إلى سياسة «صفر مشاكل» مع الجيران مثلما يقول مقربون منه، والتركيز على الحكم الليبرالي البرلماني.
ما فاجأني شخصيا، من خلال اتصالات عدة مع صحافيين ومحللين أتراك هو توقعهم أن يؤدي خروج أوغلو من رئاسة الحكومة، ودائرة النفوذ في الحزب الحاكم، إلى عودة السياسة الخارجية التركية إلى مرحلة ما قبل عام 2010، واتخاذ سياسات أكثر براغماتية وواقعية في الملف السوري تحديدا.
محلل سياسي تركي كبير قال في إحدى المكالمات أن الرئيس أردوغان الذي يوصف بـ«المرونة» السياسية، حسب وصفه قد يفتح حوارا مع السلطات السورية، لإدراكه أن خمس سنوات من العداء والتدخل السياسي والعسكري، ارتدت عكسيا على تركيا إرهابا وحروبا وتراجعا اقتصاديا.
وقال هذا المحلل الذي طلب عدم ذكر اسمه، إنه من غير المستبعد أن يستخدم أردوغان أوغلو ككبش فداء، ويحمله مسؤولية تدهور العلاقة مع سورية، خاصة أنه (أي أوغلو) كان فعلا ينتمي إلى جناح الصقور في هذا الملف.
هذا الكلام على درجة كبيرة من الخطورة، ولكن من شاهد الجهود الضخمة التي بذلها أردوغان سعيا للقاء بوتين، وكذلك المفاوضات الحثيثة التي أجراها مع الاسرائيليين لتطبيع العلاقات مجددا، ربما تضفي على تلك النظرية بعض الصحة.
الأمور بخواتمها، فما زلنا في بداية هذا الزلزال ورصد ارتداداته، لكن الامر المؤكد أن الرئيس أردوغان في وضع صعب للغاية، حيث يتعاظم معسكر أعدائه، ويتقلص عدد أصدقائه وحلفائه، داخل تركيا وخارجها، وخسارة أوغلو بعد عبد الله غول، ليست أمرا بسيطا يمكن التقليل من أهميته.
من الصعب الجزم باقتراب نهايته، أي الرئيس أردوغان، وهي النهاية التي توقعها كثيرون عندما لم يفز حزبه بالأغلبية في الانتخابات قبل الماضية، ورفض الدخول في حكومة ائتلافية مثلما طلب أحمد داوود أوغلو، وقرر الذهاب إلى انتخابات مبكرة استعاد فيها الأغلبية التي يريدها على عكس معظم التوقعات، إنه رجل مثل القطط بسبعة أرواح، ولكن لم يبق الكثير منها في جميع الأحوال.
أردوغان أطلق آخر سهم في جعبته بإطاحته برئيس الوزراء داوود أوغلو، وبدأ يستعد لخوض مغامرة، أو مقامرة جديدة، وإجراء ثالث انتخابات في أقل من 18 شهرا، فهل سيخرج منتصرا هذه المرة مثل المرات السابقة، أم سيسدل الستار بنفسه على حياته السياسية، وزعامة حزبه للحكم في تركيا؟
من الصعب إعطاء اجابة.. فالتسونامي ضرب لتوة العملية السياسية في تركيا، والحكمة تقتضي الانتظار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى