حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

ممتلكات وصفقات الجماعات تحت المجهر 

تقارير افتحاص رصدت اختلالات وتلاعبات بالمال العام 

تزامنا مع اقتراب نهاية ولاية مجالس الجماعات الترابية، أعطى عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، تعليماته إلى المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة للوزارة، بإجراء افتحاص للصفقات التي أطلقتها الجماعات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وذلك بعد توصل الوزارة بتقارير حول تسجيل تلاعبات في هذه الصفقات، وتورط رؤساء المجالس الجماعية ومنتخبين في تبديد واختلاس أموال عمومية، كما شرعت المديرية العامة للجماعات الترابية التابعة لوزارة الداخلية، في إحصاء الممتلكات العقارية للجماعات، وتحفيظ الأملاك غير المحفظة وتحيين الرسوم العقارية للأملاك المحفظة بكيفية تدريجية، مع وضع نظام معلوماتي لمراقبتها. وتدخل هذه الإجراءات لمحاربة ظاهرة السطو على الممتلكات العقارية المملوكة للجماعات داخل المدن الكبرى من طرف كبار المنعشين العقاريين، وهي الظاهرة التي تفشت خلال السنوات الأخيرة، بتواطؤ مع بعض رؤساء الجماعات والمنتخبين، رصدت مختلف تقارير الافتحاص التي أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، وجود اختلالات وتلاعبات تشوب المشاريع المبرمجة في إطار برامج التأهيل الحضري للمدن والمراكز الحضرية من طرف رؤساء الجماعات الترابية، وهي البرامج التي تخصص لها مبالغ مالية بالملايير.

 

إعداد: محمد اليوبي- النعمان اليعلاوي

برامج التأهيل الحضري تحولت إلى «بقرة حلوب» لرؤساء الجماعات

 

رصدت مختلف تقارير الافتحاص، التي أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، وجود اختلالات وتلاعبات تشوب المشاريع المبرمجة في إطار برامج التأهيل الحضري للمدن والمراكز الحضرية من طرف رؤساء الجماعات الترابية، وهي البرامج التي تخصص لها مبالغ مالية بالملايير.

وأنجزت المفتشية العامة للإدارة الترابية، التابعة لوزارة الداخلية، تقارير سوداء حول تدبير رؤساء الجماعات الترابية لبرامج التأهيل الحضري. وأوضح تقرير للوزارة أنه تبعا لطلبات مهام التفتيش الواردة على المفتشية العامة من مصادر متنوعة ومتعددة، تفيد بعد إجراء أبحاث أولية بوجود خروقات ظاهرة أو تجاوزات جسيمة على مستوى تدبير الشأن الترابي، تستوجب إيفاد لجنة تفتيش على وجه الاستعجال، حيث قامت المفتشية ببرمجة وإنجاز مجموعة من مهام التفتيش والبحث في ميادين مختلفة، ومنها برامج التأهيل الحضري التي كلفت الملايير من خزينة الدولة.

وأفادت مصادر مطلعة بأن المفتشية العامة للوزارة بتنسيق مع المديرية العامة للجماعات الترابية، قامت بافتحاص مختلف المشاريع المبرمجة في إطار التأهيل الحضري للمدن، وذلك للوقوف على الاختلالات التي تشوبها ببعض المدن، بعد تسجيل تعثر مشاريع كبيرة رصدت لها مبالغ مالية من خزينة الدولة، وكذلك تلاعب بعض رؤساء الجماعات بالأموال المخصصة لتمويل البرنامج، بتفويت صفقات لمكاتب دراسات، دون تنفيذ المشاريع على أرض الواقع، حيث تحولت مشاريع التأهيل الحضري إلى «بقرة حلوب» لبعض رؤساء الجماعات، حسب ما ورد في التقارير التي أنجزتها لجان الافتحاص والتفتيش التابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية بالعديد من المدن التي زارتها، خلال السنوات الأخيرة.

وحسب مصادر مطلعة، فقد عملت الجماعات الترابية بتعاون مع مختلف المتدخلين في التنمية المحلية على بلورة برامج متعددة السنوات للتأهيل الحضري، حيث عرفت كل المدن وجل المراكز الحضرية والقروية عملية انطلاق أو إنجاز هذه البرامج التي تتم صياغتها وتنفيذ أشغالها، بتنسيق وشراكة مع الجماعات الترابية المعنية والقطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، وذلك بهدف تقوية جاذبية المدن وتحسين محيط العيش للسكان، وتجاوز المقاربات التجزيئية للمشاريع، عبر إدراج مجهودات الجماعات الترابية في إطار مقاربة شمولية تدمج الأبعاد المجالية والاقتصادية والاجتماعية ضمن مخططات متعددة السنوات للتنمية، وبلغ عدد برامج التأهيل الحضري للمدن والمراكز الحضرية حوالي 350 برنامجا، بغلاف مالي إجمالي يقارب 80 مليار درهم، ساهمت ضمنه الوزارة عبر المديرية العامة للجماعات المحلية بحوالي 30 مليار درهم.

وتوصلت المديرية العامة للجماعات الترابية خلال السنوات الماضية، بـعدة اتفاقيات شراكة مبرمة بين الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والقطاعات الوزارية في مجال التأهيل الحضري، وشملت هذه البرامج عدة مجالات، كالطرق، والأرصفة، والإنارة العمومية، والمساحات الخضراء، والساحات العمومية والتجهيزات الاقتصادية والثقافية والرياضية، واستفادت منها عدة جماعات تابعة لمجموعة من العمالات والأقاليم.

وسجلت تقارير التفتيش والافتحاص، وجود اختلالات في تدبير الصفقات العمومية الخاصة بالتأهيل الحضري، تتجلى في إقصاء متنافسين بدون مبرر، ومنح صفقات أشغال لمقاولات مراجعها التقنية غير كافية، والأداء مقابل أشغال غير مطابقة للشروط المطلوبة، وعدم تطبيق الغرامات في حق المقاولات التي لا تحترم التزاماتها التعاقدية، وظهور عيوب في الأشغال المنجزة والمستلمة، كما سجلت التقارير اختلالات في تدبير سندات الطلب، من خلال إسناد سندات الطلب لشركات بعينها والإشهاد على تنفيذ الخدمة، قبل الالتزام بالنفقات وقبل الإنجاز الفعلي لها.

هذا، وشرع قضاة المجالس الجهوية للحسابات بتعليمات من زينب العدوي، رئيسة المجلس، في إجراء افتحاص البرامج والمشاريع الممولة من قروض صندوق التجهيز الجماعي التابع لوزارة الداخلية، وذلك بعدما رصدت تقارير التفتيش تلاعب رؤساء جماعات في أموال الصندوق، وكذلك توقف وتعثر عدد كبير من المشاريع الممولة من الصندوق.

وأفادت المصادر أن صندوق التجهيز الجماعي يمنح قروضا للجماعات الترابية بمعدل سنوي يقارب ملياري درهم، حيث تجاوزت القروض الممنوحة للجماعات ما مجموعه 60 مليار درهم على مدى 65 سنة، وتخصص هذه القروض من حيث المبدأ لتمويل مشاريع تدخل في إطار برامج التنمية المحلية، وتجاوز عددها 6 آلاف مشروع تنموي، كما أن دور صندوق التجهيز الجماعي لا يقتصر على منح القروض، بل يتمثل في تقديم المساعدة التقنية ورصد وتقييم وتتبع تنفيذ مشاريع الجماعات الترابية وتمويل الدراسات المتعلقة بها، وتنفيذ كافة مخططاتها وبرامجها التنموية في مختلف ربوع المملكة.

ويشمل تدخل الصندوق مجالات حيوية تتعدى البنيات التحتية والخدمات الأساسية (الطرق والكهرباء والنقل، والصرف السائل والصلب) إلى المرافق الاجتماعية (تجهيزات رياضية، وسياحية وترفيهية) والتجهيزات التجارية (الأسواق والمجازر) وعمليات التهيئة (الصيانة وإعادة التأهيل وإنجاز المناطق الصناعية)، ويمثل صندوق التجهيز الجماعي رافعة أساسية في مجال تطوير عمل الجماعات الترابية، لما يسديه من خدمات، أبرزها تسهيل ولوج هذه الجماعات إلى القرض، من أجل تمويل مشاريعها التنموية.

تقارير ترصد تلاعبات في تفويت عقارات جماعية بالملايير  

 

شرعت المديرية العامة للجماعات الترابية، التابعة لوزارة الداخلية، في إحصاء الممتلكات العقارية للجماعات، وتحفيظ الأملاك غير المحفظة وتحيين الرسوم العقارية للأملاك المحفظة بكيفية تدريجية، مع وضع نظام معلوماتي لمراقبتها، وتدخل هذه الإجراءات لمحاربة ظاهرة السطو على الممتلكات العقارية المملوكة للجماعات داخل المدن الكبرى من طرف كبار المنعشين العقاريين، وهي الظاهرة التي تفشت خلال السنوات الأخيرة، بتواطؤ مع بعض رؤساء الجماعات والمنتخبين.

وجاء ذلك على ضوء تقارير توصل بها عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، بشأن قيام أشخاص نافذين بالسطو على عقارات جماعية بالمدن الكبرى، بتواطؤ مع رؤساء مجالس جماعية ومنتخبين، وتقدر قيمة هذه العقارات بالملايير. وعلى ضوء ذلك رفضت وزارة الداخلية التأشير على مقررات صادرة عن مجالس جماعات ترابية تتعلق بتفويت أو كراء ممتلكاتها العقارية، بسبب رصد خروقات وتلاعبات قد تؤدي إلى السطو على هذه العقارات من طرف جهات نافذة.

وأصدر الوزير تعليماته إلى جلول صمصم، الوالي المدير العام للجماعات الترابية، من أجل إحصاء أملاك الجماعات الترابية وتحفيظها، وضبط وحماية الأملاك الجماعية وتنميتها، فضلا عن تعزيز الرصيد العقاري الجماعي، وتثمين وتحسين مردودية أملاك الجماعات الترابية، كما صدرت تعليمات إلى ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، من أجل إنجاز تقارير حول وضعية الممتلكات الجماعية، وخصوصا العقارية التي توجد بمواقع استراتيجية داخل المدن، والتي تسيل لعاب «مافيا العقار» التي تستعمل طرقا ملتوية، واحتمالية للسطو عليها.

ولمواجهة الاستحواذ على الأملاك العقارية الجماعية، سيتم الشروع في تحفيظ الأملاك غير المحفظة وتحيين الرسوم العقارية للأملاك المحفظة بكيفية تدريجية، لحماية الملكية العقارية الجماعية وتعبئتها لتحقيق التنمية المحلية، وذلك من خلال تطهيرها من الحقوق والتحملات والنزاعات، وتأسيس رسوم عقارية تعكس الوضعية القانونية والمادية لهذه العقارات، وضبط سجلات محتويات أملاكها وتحيين البيانات المضمنة بها، حتى تكون مرجعا موثوقا به وشاملا للمعلومات المتعلقة بالأملاك المقيدة فيها وتواكب جميع العمليات الجارية عليها. كما وضعت وزارة الداخلية نظاما معلوماتيا يسمى «أطلس خرائطي»، في إطار شراكة مع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، يوضح موقع هذه الأملاك ومساحتها ورسومها العقارية ومشتملاتها، وسيساهم هذا النظام في تدبير واستغلال الأملاك الجماعية.

وسبق لمديرية الممتلكات بوزارة الداخلية أن قامت بدراسة ميدانية للاطلاع على الوضعية الجارية لاستغلال الأملاك الجماعية عن طريق الكراء والاحتلال المؤقت، وتقييم مردودية هذه الأملاك، واقتراح الحلول الناجعة لإنجاح العملية، فضلا عن مراجعة الأكرية والإتاوات المستخلصة عن الاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي لتحسين مردوديتها، وتطبيق المنافسة كقاعدة عامة في استغلال وتفويت الأملاك الجماعية لتحسين الحكامة وتطبيق الشفافية في تدبير هذا القطاع الحيوي، مع تطبيق الآليات القانونية والحكامة الجيدة في تدبير هذه الأملاك ومراقبة تسييرها.

ووجه عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، في بداية الولاية الحالية، دورية إلى ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، يحث من خلالها رؤساء الجماعات على ضرورة تطبيق القانون الجديد المتعلق بنظام الأملاك العقارية للجماعات الترابية، وجاء هذا القانون بمجموعة من الأحكام تتعلق بتطبيق قواعد الحكامة الجيدة، من خلال إلزامية اللجوء إلى المنافسة كمبدأ عام لتفويت أو كراء الملك الخاص والترخيص بالاحتلال المؤقت للملك العام، بناء على دفتر للتحملات (كتدبير مواقف السيارات والمرائب)، مع تقنين وضبط حالات الاتفاق بالتراضي، كما ينص القانون الجديد على ضرورة موافقة المجلس على الأثمنة الافتتاحية للمزايدات العمومية المتعلقة بالتفويت أو الكراء أو الاحتلال المؤقت للملك العام بإقامة بناء، مع وضع ضوابط لمسك وتحيين سجل المحتويات وإخبار المجلس بالتغييرات التي تطرأ عليه، لجعله وثيقة إلزامية وأساسية لتدبير هذه الأملاك وحمايتها، كما ينص على إقرار مسطرة لتحديد الملك العام للجماعات الترابية بما يعطي ضمانات إضافية لحماية الحقوق المحتملة للغير، مع سن مسطرة مبسطة لتحفيظ العقارات الخاضعة لعمليات التحديد الإداري.

ويتضمن القانون مقتضيات تتعلق بتشجيع الاستثمار في الملك العام، بمنح ضمانات للمستفيدين من رخصة الاحتلال المؤقت، في حال سحبها لأسباب المنفعة العامة، وذلك بإلزام تعليل قرار السحب وتمكين هؤلاء المستفيدين من المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحقهم جراء هذا السحب، كما ينص القانون على تقنين المساطر المتعلقة بالهبات وبوضع أملاك الجماعات الترابية رهن إشارة المصالح العمومية، وإعفاء الجماعات الترابية من أداء كل ضريبة أو رسم أو أي اقتطاع ضريبي آخر يكون له طابع محلي.

ويسمح القانون بنقل ملكية الأملاك العقارية للجماعات الترابية القائمة (الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات) إلى الجماعة، أو الجماعات الترابية التي تحل محلها في حال ضم أو تجمیع أو إحداث أو حذف هذه الجماعات الترابية، بالمجان وبدون إجراءات شكلية، مع إعفاء نقل ملكية العقارات موضوع العملية من واجهات التقييد في الرسوم العقارية. ودعا وزير الداخلية الجماعات الترابية إلى السهر على التطبيق السليم لمقتضيات هذا القانون، وخاصة جرد الأملاك العقارية، وتحيين بياناتها وتسوية وضعيتها القانونية مع مصالح المحافظة العقارية، واتخاذ التدابير اللازمة لتثمينها.

 

 

رؤساء جماعات ومنتخبون يواجهون تهم تبديد واختلاس أموال عمومية

 

تزامنا مع اقتراب نهاية ولاية مجالس الجماعات الترابية، أعطى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، تعليماته للمفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة للوزارة بإجراء افتحاص للصفقات التي أطلقتها الجماعات خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وذلك بعد توصل الوزارة بتقارير حول تسجيل تلاعبات في هذه الصفقات، وتورط رؤساء المجالس الجماعية ومنتخبين في تبديد واختلاس أموال عمومية.

وسجلت تقارير توصلت بها الداخلية وجود اختلالات في تدبير الصفقات العمومية بالعديد من المجالس الجماعية بمختلف جهات المملكة، تتجلى في إقصاء متنافسين بدون مبرر، ومنح صفقات أشغال لمقاولات مراجعها التقنية غير كافية، والأداء مقابل أشغال غير مطابقة للشروط المطلوبة، وعدم تطبيق الغرامات في حق المقاولات التي لا تحترم التزاماتها التعاقدية، وظهور عيوب في الأشغال المنجزة والمستلمة، كما سجلت التقارير اختلالات في تدبير سندات الطلب، من خلال إسناد سندات الطلب لشركات بعينها والإشهاد على تنفيذ الخدمة قبل الالتزام بالنفقات وقبل الإنجاز الفعلي لها، وعدم استرداد المبالغ المترتبة عن الفارق المسجل في برنامج الاستثمار غير المنجز من طرف الشركة المفوض لها تدبير قطاع النظافة.

وسجلت التقارير عدم إعداد الدراسات الضرورية قبل الشروع في إنجاز المشاريع موضوع صفقات عمومية، حيث لوحظ، من خلال افتحاص العديد من ملفات المشاريع، عدم اللجوء إلى إنجاز الدراسات القبلية والتقارير المتعلقة بالمشاريع، وذلك من أجل حصر تكلفتها بالدقة اللازمة وتركيبة تمويلها وطرق تنفيذها، مما يؤدي، في معظم الأحيان، إلى تعثر إنجاز هذه المشاريع وتأخر انطلاقها،  هذا، بالإضافة إلى مشاكل على مستوى الاستغلال والتنسيق مع الجهات المعنية بالاستثمار، وعلى سبيل المثال، يرجع تعثر انطلاق هذه المشاريع بالأساس إلى تأخر الجماعة في إنجاز الأعمال الطبوغرافية وتسليم الرخص، ناهيك عن عدم إشراك أطراف أخرى في تمويل المشاريع المعنية.

وكانت الحكومة قد أدخلت تعديلات على القوانين المؤطرة للصفقات العموميـة وإصدار مرسوم يتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، يهدف إلى تفعيل الحكامة المؤسساتية بإرساء مخاطب وحيد في مجال تقديم الخبرة والاستشارة المتعلقة بمساطر إبرام وتنفيذ ومراقبة وأداء الصفقات المبرمة من قبل الجماعات الترابية والأشخاص الاعتبارية للقانون العام المنبثقة عنها، عبر إحداث لجنة دائمة، ضمن الجهاز التداولي للجنة الوطنية للطلبيات العمومية، مكلفة بدراسة الشكايات الصادرة عن المتعاقدين مع الجماعات الترابية ومجموعاتها ومؤسسات التعاون بين الجماعات من ناحية، وإبداء الرأي كلما استشكلت مسألة حول تأويل النصوص القانونية أو بنود دفاتر التحملات المتصلة بصفقات الكيانات القانونية المذكورة، من ناحية أخرى.

وسبق للمجلس الأعلى للحسابات أن سجل في تقاريره مجموعة من النقائص التي تطال مسطرة تنفيذ النفقات العمومية بواسطة سندات الطلب، سواء على مستوى انتقاء المتنافسين أو على مستوى التنفيذ، وفي هذا الإطار، لاحظ المجلس عدم إعمال منافسة حقيقية، إذ أنه بمعظم الإدارات العمومية التي خضعت للتدقيق، يتم تكليف نفس المقاول أو المورد (المتعاقد معه) بتقديم “بيانات أثمان مجاملة” صادرة، في الظاهر، عن متنافسين آخرين، ويرجع السبب في عدم إعمال المنافسة بشكل حقيقي إلى غياب أو ضعف نظام المراقبة الداخلية بشأن مسطرة تنفيذ النفقات بواسطة سندات الطلب.

ولاحظ المجلس غياب لجنة يعهد إليها بعملية الانتقاء واختيار المتنافسين والسهر على مراقبة صحة الاستلام ومطابقة الخدمات أو المقتنيات للمواصفات التقنية والكميات المتعاقد بشأنها، كما لوحظ أن اللجوء إلى المنافسة في إطار مسطرة تنفيذ النفقات بواسطة سندات الطلب ال يتم دائما وفق الشروط، والشكليات المطلوبة، والتي من شأنها أن تضمن للإدارة إمكانية الحصول على الجودة المرجوة وبالكلفة المناسبة، وأشار التقرير إلى أن الإدلاء ببيانات أثمان مضادة، في إطار مسطرة سندات الطلب، لا يعدو، في أغلب الحالات، أن يكون مجرد إجراء شكلي لا يتحقق معه لا تكافؤ الفرص ولا المنافسة المنشودة، إذ لوحظ من خلال عمليات التدقيق أن الطلبيات العمومية تقتصر على فئة محدودة من الموردين أو المقاولين، مما يترتب عنه نتائج سلبية على مستوى الجودة والاقتصاد، كما لاحظ قضاة المجلس، من جانب آخر، أن معظم المصالح الآمرة بالصرف لا تصدر سندات الطلب إلا بعد إنجاز الخدمة موضوع الطلبية، أو من أجل تسوية نفقة كان مبلغها الأصلي يتجاوز الحد الأقصى المسموح به قانونا.

وسجل المجلس، عدم تفعيل مقتضيات المادة 88 من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية، إذ لوحظ غياب آلية تضمن الصرامة في ضبط وتحديد الشروط الشكلية والجوهرية لبنود وبيانات سندات الطلب المتعاقد بموجبها كتحديد آجال تسليم المقتنيات أو تنفيذ الخدمات، بالإضافة إلى غياب آلية للتأكد من أن البنود والبيانات المضمنة بسندات الطلب تعكس فعال المقاييس والمواصفات التي تكون الإدارة قد وضعتها لتلبية حاجياتها، وأن هذه السندات توفر كافة الضمانات لحفظ وحماية حقوق ومصالح الجهاز العمومي المعني في حال إخلال الأطراف الأخرى بالتزاماتها التعاقدية والقانونية، وثبت للمجلس تواتر ممارسة غير مشروعة تتمثل في تشطير النفقات على مراحل من أجل تفادي تنفيذها عن طريق طلبات عروض وإخضاعها لمسطرة سندات الطلب، حتى وإن لم تجتمع الشروط التي تسمح باللجوء إلى هذه المسطرة والمتمثلة أساسا في وجود ضرورة ملحة لتلبية حاجيات آنية وضرورية وذات طبيعة خاصة لا تتحمل آجال مساطر طلبات العروض.

 

اختلالات تدبير الأملاك الجماعية تُسائل المجالس الترابية وتهدد العدالة المجالية

 

رغم ما تشكله الأملاك الجماعية من رافعة مالية ووعاء استراتيجي للتنمية المحلية، إلا أن تدبير هذا الرصيد العقاري لا يزال يعرف اختلالات هيكلية وممارسات غير شفافة في عدد كبير من الجماعات الترابية، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول حكامة التسيير، وفعالية الرقابة، والعدالة في توزيع المنافع بين الساكنة.

وتُعد الأملاك الجماعية، سواء كانت ملكًا عامًا (كالطرق والساحات والمرافق) أو ملكًا خاصًا للجماعة (كالأراضي غير المبنية والعقارات المؤجرة)، أحد أهم الموارد غير الجبائية للجماعات الترابية، والتي يُفترض أن تُمكن المجالس من تنمية مواردها الذاتية وتوجيهها نحو مشاريع اجتماعية واقتصادية، تهم الساكنة بشكل مباشر. غير أن ما يحصل على أرض الواقع يُظهر صورة مغايرة، حيث يتم استغلال هذا الرصيد في سياقات تتداخل فيها المصالح الخاصة، والحسابات السياسية، وانعدام الشفافية.

ومن أبرز أوجه الاختلالات التي يعرفها هذا المجال، ما يرتبط بـكراء الأملاك الجماعية بأثمنة زهيدة لا تتناسب مع قيمتها التجارية الحقيقية، حيث تستفيد منها جهات معينة على حساب باقي المواطنين، دون أن تُعاد مراجعة العقود أو تفعيل مساطر المنافسة أو الزيادة الدورية في السومة الكرائية. وفي حالات أخرى، تُسجل احتلالات غير قانونية لعقارات الجماعة دون سند قانوني، بعضها من طرف خواص، وأحيانًا من طرف مقاولات تستغل هذه الأملاك لأغراض تجارية، دون أن تبادر الجماعات إلى تحريك المتابعة أو استرجاع الأملاك المسلوبة.

ويُسجل كذلك غياب نظام معلوماتي موحد لحصر وتحيين الأملاك الجماعية، حيث إن عددًا من الجماعات لا تملك لائحة دقيقة ومضبوطة لعقاراتها، مما يُفسح المجال أمام التلاعب، وضياع الحقوق، ويحول دون الاستغلال الأمثل لهذه الممتلكات في تنمية موارد الجماعة.

وقد سبق لتقارير المجلس الأعلى للحسابات أن رصدت تقصيرًا واضحًا في تدبير هذا المجال، مبرزة حالات عدم احترام مساطر التفويت أو التخصيص، وكذا منح عقارات في إطار الشراكات دون تقييم دقيق أو موافقة من السلطات الوصية، بل وحتى في غياب أي أثر مالي ملموس على ميزانية الجماعة، ما يكرس مظاهر الهدر والفساد.

وتزداد خطورة هذه الممارسات حينما تكون الأملاك الجماعية موضوع نزاع، أو تدخل ضمن مجالات تعرف مضاربات عقارية قوية، حيث تتحول إلى مطمع للوبيات محلية تستغل ضعف الرقابة الإدارية والمالية، لنسج شبكات نفوذ تتلاعب بوثائق التخصيص أو تسطو على أملاك عمومية بدعاوى الشراكة أو الاستثمار، ولا يقتصر الخلل على العقارات المخصصة للنشاط الاقتصادي أو السكني، بل يمتد إلى الأراضي الفلاحية والرعوية التي تشكل مصدر عيش رئيسي للعديد من الجماعات السلالية، حيث يطغى الغموض على طرق تفويتها أو استغلالها، في غياب مقاربة تشاركية تحترم حق ذوي الحقوق وتضمن العدالة المجالية.

أمام هذا الواقع، يبرز مطلب إصلاح شامل لمنظومة تدبير الأملاك الجماعية، يرتكز على إعداد جرد وطني رقمي ومحين، وإخضاع كل العمليات المرتبطة بالتفويت أو الكراء أو التخصيص إلى منافسة علنية ومراقبة مسبقة، إلى جانب إحداث مرصد وطني لتتبع تدبير الممتلكات العمومية، وربط المسؤولية بالمحاسبة في كل حالة تقصير أو تلاعب كما أن حماية الأملاك الجماعية لا تندرج فقط ضمن منطق حفظ المال العام، بل هي في جوهرها معركة من أجل العدالة الاجتماعية والمجالية، ومن أجل استعادة ثقة المواطن في المؤسسة المنتخبة، باعتبارها المؤتمنة على مقدراته الجماعية وحقوقه في التنمية المستدامة.

وتُطرح إشكالات الأملاك الجماعية أيضًا من زاوية العلاقة المعقدة بين المجالس المنتخبة والسلطات المحلية الممثلة في الولاة والعمال، حيث غالبًا ما تُثير ملفات تفويت أو كراء عقارات الجماعة توتراً صامتاً أو صراع صلاحيات، خصوصًا حين يتعلق الأمر بأملاك توجد في مواقع استراتيجية أو ذات قيمة استثمارية عالية. وفي بعض الحالات، تبادر الجماعات إلى اتخاذ قرارات استغلال أو تفويت دون الرجوع إلى المصالح الولائية، وهو ما يُفضي إلى نزاعات إدارية أو رفض التأشير على القرارات، مما يُعطل المشاريع أو يُدخلها في متاهات قانونية.

من جهة أخرى، يشهد المغرب تحولًا متسارعًا في أنماط الاستثمار المحلي، خاصة في ضوء مشاريع كبرى مهيكلة كتحلية المياه، والانتقال الطاقي، والمدن الذكية. غير أن تدبير الأملاك الجماعية لا يواكب هذا التحول، بسبب غياب نظرة استشرافية تستغل هذه الممتلكات لإدماج الجماعات في الدينامية الاقتصادية الوطنية. ففي الكثير من الأحيان، تظل الأراضي الجماعية فارغة أو مهملة لعقود، دون إعداد تصاميم تنموية أو تصور وظيفي لها، في حين أنها كانت لتُشكل منصة لتجميع المشاريع، وخلق فرص الشغل، ورفع مداخيل الجماعة بدل الاعتماد المفرط على الضرائب المحلية غير الكافية.

كما أن التحديات البيئية المرتبطة بتغير المناخ تفرض اليوم إعادة النظر في تدبير الأراضي الرعوية والغابوية التابعة للجماعات، التي تكتسي أهمية كبرى في التوازن الإيكولوجي. غير أن غياب التأطير القانوني الصارم لاستغلال هذه الأملاك يؤدي إلى استنزافها من قبل شركات تستغلها بشكل مفرط أو فوضوي، دون مراقبة مستدامة أو مساهمة عادلة في تنمية الجماعة.

وتُطالب فئات واسعة من المجتمع المدني والهيئات المهنية بإصلاح جذري في تدبير الأملاك الجماعية، من خلال اعتماد الشفافية التامة في جميع العمليات، ونشر لوائح الأملاك والمستفيدين منها للعموم، وربط كل تفويت أو استغلال بمقابل تنموي حقيقي، سواء في شكل فرص شغل محلية، أو مساهمة مالية في مشاريع الجماعة، أو دعم مباشر للخدمات الاجتماعية.

كما يقترح خبراء اعتماد منصة وطنية موحدة رقمية، تحت إشراف جهة مستقلة، تقوم بجرد ومتابعة كل العمليات المرتبطة بالأملاك الجماعية في المغرب، مع إدماج معايير الحكامة الجيدة والمراقبة المواطِنة، وتوسيع صلاحيات المجالس الجهوية للحسابات لتقوم بتقييم دوري لنجاعة هذا التدبير، ومدى خدمته لأهداف التنمية الترابية والعدالة الاجتماعية.

إن أزمة تدبير الأملاك الجماعية ليست فقط أزمة مساطر، بل هي تجلي عميق لفشل النموذج المحلي في ربط السلطة بالمسؤولية، والمصلحة الخاصة بالمصلحة العامة، وهي كذلك فرصة لإعادة التفكير في طبيعة العلاقة بين المواطن والمجالس المنتخبة، وفي موقع الجماعة داخل الهندسة الترابية الجديدة للمملكة، التي يُفترض أن تجعل من الفعل المحلي قاطرة للتنمية، لا مصدرًا للهدر والاحتكار.

 

تقارير قضاة المجلس الأعلى للحسابات تكشف أعطاب منظومة الصفقات العمومية

 

 

ما زالت الصفقات العمومية تُشكل أحد أبرز بؤر الهدر المالي وضعف النجاعة في التدبير العمومي بالمغرب، كما تُعد العنوان الأبرز للاختلالات التي ترصدها تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات سنة بعد أخرى، دون أن تتغير كثيرًا ملامح المشهد، أو تتخذ الإجراءات الردعية اللازمة لوقف نزيف المال العام وضمان شفافية ونزاهة المساطر التعاقدية التي تُبرمها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية.

وتكشف تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وآخرها التقرير السنوي، عن تكرار ممنهج لمجموعة من الاختلالات البنيوية التي تطول مراحل متعددة من تدبير الصفقات العمومية، من الإعداد وطلب العروض، إلى الإبرام والتنفيذ والمراقبة، ما يعكس في العمق ضعفًا في الحكامة، وتهاونًا في الالتزام بالضوابط القانونية، وفي بعض الأحيان، تساهلًا مشبوهًا يفتح الباب أمام شبهات المحاباة والزبونية.

ومن أبرز الأعطاب التي رصدتها المجالس الجهوية للحسابات، خاصة في ما يتعلق بالجماعات الترابية، عدم احترام شروط المنافسة الحرة وتكافؤ الفرص عند الإعلان عن الصفقات، سواء من خلال تفصيل دفاتر التحملات على مقاس شركات بعينها، أو من خلال اعتماد آجال قصيرة لا تتيح التنافس الحقيقي، أو إدراج شروط تقنية تعجيزية لإقصاء منافسين محتملين.

وتُسجّل التقارير أيضًا الضعف الحاد في إعداد الدراسات القبلية الخاصة بالمشاريع، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى مراجعة الكلفة المالية أثناء الإنجاز، وطلب أشغال إضافية، تُفوت في الغالب لنفس الشركة، دون إعادة إطلاق المنافسة، وهو ما يُنتج في النهاية كلفة مضاعفة وتضخمًا غير مبرر في فواتير الإنجاز.

كما لا تغفل تقارير قضاة المجلس الأعلى للحسابات غياب مراقبة فعالة أثناء تنفيذ الأشغال أو تقديم الخدمات، حيث يُلاحظ في عدد من الملفات أن المصالح المفوضة لمراقبة الصفقات لا تتوفر على الأدوات التقنية ولا الموارد البشرية الكافية لتتبع مراحل الإنجاز، ما يسمح بتمرير اختلالات في الجودة، أو قبول تسليم الأشغال رغم عدم مطابقتها للمواصفات، أو في غياب وثائق فنية أساسية.

ولعل ما يضاعف خطورة هذه الاختلالات هو أن عددًا منها يتكرر بشكل دوري في قطاعات ومجالس مختلفة، رغم الملاحظات المتكررة الصادرة عن المجالس العليا والجهوية، دون أن تتم مساءلة الأطراف المسؤولة، أو تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. بل إن بعض المؤسسات تعيد إنتاج نفس الأعطاب، كما لو أن التقارير الرقابية لا تُشكل إلا ورقًا إداريًا للرفوف.

ويُسجّل المجلس الأعلى أيضًا غيابا تاما أو جزئيا لآليات تقييم أثر الصفقات العمومية على التنمية المحلية أو على جودة الخدمات، حيث نادرًا ما تُنجز الإدارات تقارير تقييم بعد الإنجاز، أو تُربط المخرجات بالأهداف المعلنة في برامج العمل أو الميزانيات السنوية، ما يُحول المشاريع العمومية إلى مجرد أوراش منفصلة عن حاجيات المواطنين.

وفي ما يخص بعض الصفقات المبرمة من طرف المؤسسات العمومية الكبرى أو الوزارات، تفيد تقارير المجلس بوجود لجوء متكرر لصفقات تفاوضية أو صفقات بدون منافسة حقيقية، أحيانًا تحت غطاء الاستعجال أو الظروف الخاصة، دون أن تتوفر في كثير من الحالات الشروط القانونية التي تُجيز ذلك، ما يُفقد العملية التعاقدية شفافيتها ويُغذي الشكوك حول وجود محاباة.

وتبرز تقارير المجالس الجهوية للحسابات حالات أخرى تتعلق بـ تجزئة الصفقات بهدف تفادي المساطر المعقدة المرتبطة بالمبالغ الكبرى، حيث يتم تقسيم الأشغال أو الخدمات إلى دفعات صغيرة تُفوت بشكل مباشر أو عبر مساطر مرنة، في التفاف مكشوف على روح القانون.

أمام هذا الواقع، تتعالى الأصوات المطالبة بإصلاح عميق لمنظومة الصفقات العمومية، يبدأ من تحيين القانون 2.12.349 المتعلق بالصفقات، ويمر عبر رقمنة جميع مراحل المسطرة التعاقدية، وإحداث هيئة مستقلة للمراقبة والتقويم، وتعزيز صلاحيات هيئات الحكامة ومجالس الحسابات، وصولًا إلى نشر تقارير الإنجاز والتتبع للرأي العام، وربطها بالمسؤوليات السياسية والإدارية.

إن استمرار الوضع على ما هو عليه، يُهدد الثقة في الإدارة العمومية، ويُضعف فاعلية الاستثمار العمومي، ويُكرّس الفجوة بين النص القانوني والتطبيق الميداني، بينما تبقى الصفقات العمومية رافعة أساسية لا غنى عنها لتنفيذ السياسات العمومية، وتحقيق العدالة المجالية، وتنمية البنيات التحتية والخدمات.

 

محمد زين الدين *:

 

«إشكالات متنوعة تعتري تدبير الصفقات العمومية بالجماعات الترابية يجب تضافر جهود جميع المتدخلين لتجاوزها»

 

  • ما الإشكالات التي تواجه الجماعات الترابية في تدبير الصفقات العمومية؟

يشكل تدبير صفقات الجماعات المحلية أحد أبرز التحديات التي تواجه الإدارة الترابية في المغرب، بالنظر إلى ما يطرحه من إشكالات قانونية وتقنية وأخلاقية تؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمات العمومية وعلى مصداقية الفاعل الجماعي لدى المواطنين. فرغم الإطار القانوني المنظم لهذا المجال، ورغم التحديثات التي همت النصوص المؤطرة للصفقات العمومية، لا تزال الممارسة اليومية تكشف عن العديد من النقاط السوداء التي تُسائل مدى فعالية منظومة التدبير المحلي ومدى احترام مبادئ الشفافية والحكامة والنجاعة.

ويبرز أول الإشكالات من ضعف الكفاءة الإدارية والتقنية لدى عدد كبير من الجماعات، خاصة القروية منها، حيث تعاني هذه الأخيرة من خصاص واضح في الأطر المؤهلة لإعداد دفاتر التحملات وتدبير مراحل طلبات العروض وتقييم العروض التقنية والمالية. وهو ما يؤدي، في حالات عديدة، إلى ارتكاب أخطاء مسطرية تُعرض الجماعة للطعن أو لإلغاء الصفقات، أو تنتهي بإبرام عقود غير ملائمة لحاجيات السكان وتُنفذ مشاريع لا تستجيب للمعايير المطلوبة. وغالبًا ما تتحول هذه الهفوات إلى مدخل لعرقلة عجلة التنمية على المستوى المحلي، وتُفرغ برامج الاستثمار من محتواها الاجتماعي.

إلى جانب ذلك، تُوجه انتقادات متكررة إلى بعض المجالس الجماعية بسبب شبهات الزبونية والمحسوبية التي تحوم حول عدد من الصفقات، حيث تشير معطيات متواترة إلى حالات يتم فيها تفصيل دفاتر التحملات على مقاس مقاولات معينة، أو يتم فيها إقصاء عروض منافسة بدواع تقنية صيغت بعناية، ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى احترام مبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص. وغالبًا ما يواكب هذا الوضع صمت أو تواطؤ ضمني داخل لجان فتح الأظرفة وتقييم العروض، في ظل غياب آليات ردع فعالة أو تتبع دقيق من الجهات الرقابية.

 

  • كيف تعامل القانون مع هذه الإشكالات؟

إذا كان القانون يلزم الجماعات بنشر طلبات العروض ونتائجها عبر بوابة الصفقات العمومية لضمان الشفافية، فإن عدداً من الجماعات لا تلتزم بذلك، سواء بسبب ضعف القدرات التقنية والرقمية، أو لاعتبارات مقصودة تسعى إلى الحد من تتبع المجتمع المدني للمال العمومي. ونتيجة لذلك يصعب على المواطن أو الصحافي أو الباحث الوصول إلى المعلومة، ما يُغذي الشكوك ويدعم ثقافة الريبة وعدم الثقة في الأداء الجماعي.

ولا يتوقف الأمر عند لحظة إبرام الصفقة، بل يمتد إلى ما بعدها، حيث يُلاحظ غياب التتبع الصارم لمراحل الإنجاز، وعدم تفعيل آليات مراقبة احترام الشروط التعاقدية من طرف المقاولات الفائزة. وفي حالات كثيرة يتم التساهل مع تأخير الأشغال، أو القبول بإنجازات ناقصة الجودة، في غياب تام لتطبيق الجزاءات المالية أو القانونية المنصوص عليها، وهو ما يؤدي إلى إنجاز مشاريع دون فعالية، سرعان ما تظهر بها أعطاب أو تصبح غير صالحة للاستعمال بعد سنوات قليلة من إنجازها.

كل هذه الإشكالات تضع منظومة الصفقات العمومية في قلب النقاش العمومي حول الحكامة المحلية، وتستدعي تدخلاً عاجلاً لإعادة بناء الثقة، من خلال إصلاحات عميقة تشمل تأهيل الموارد البشرية داخل الجماعات، وتفعيل أجهزة الرقابة القبلية والبعدية، والرقمنة الشاملة لكل مراحل الصفقات، مع إشراك المواطن والفاعل المدني في تتبع تنفيذ البرامج. فبدون إصلاح هذا الورش الحيوي، سيظل المال العام عرضة للهدر، وستبقى التنمية المحلية رهينة الولاءات والمصالح بدل الكفاءة والمسؤولية.

 

  • ما طبيعة الاختلالات التي تعتري تدبير الصفقات العمومية بالجماعات الترابية؟

 

تأخذ اختلالات الصفقات العمومية بالجماعات المحلية أشكالًا متعددة، تتجاوز الطابع المسطري لتطول الجوهر التنموي لهذه العمليات، وتطرح إشكاليات خطيرة تمسّ بمبادئ الشفافية والفعالية وتكافؤ الفرص. ومن أبرز هذه التمظهرات، تجاوز المبالغ المرصودة لتنفيذ المشاريع، إذ يُلاحظ في عدد من الجماعات أن كلفة الأشغال المنجزة أو الخدمات المقدمة تتعدى الاعتمادات المحددة مسبقًا في الميزانيات، دون تقديم تبريرات موضوعية أو إعادة برمجة قانونية، وهو ما يُفسَّر في الغالب إما بسوء تقدير أثناء إعداد دفاتر التحملات، أو بتواطؤات خفية تُمهّد الطريق أمام نفخ الفواتير، في غياب رقابة مالية صارمة وآليات ناجعة للتتبع والمحاسبة.

وتتجلى صورة أخرى من صور الاختلال في وجود بنود تمييزية ضمن طلبات العروض، تُدرج بطريقة مُحكمة لإقصاء منافسين محتملين وفتح الباب أمام مقاولات بعينها، إما عبر اشتراطات تقنية مفرطة لا تتلاءم مع طبيعة المشاريع، أو من خلال تحديد آجال تعجيزية أو مواصفات تُراعي قدرات مقاولات محلية موالية. هذا الأسلوب، الذي لا يخلو من «ذكاء إقصائي»، يؤدي عمليًا إلى تفويت الصفقات لمعـارف أو شركاء سياسيين أو مقاولين محسوبين على دوائر النفوذ المحلي، ما يحوّل الصفقات العمومية من آلية للتنمية المحلية إلى أداة لتبادل المصالح وتعزيز الولاءات الحزبية.

ويُعزز هذا الوضع غياب وضوح في العلاقة التدبيرية بين الجماعات الترابية والسلطة المفوّضة المتمثلة في الولاة والعمال، حيث يُطرح دائمًا سؤال حدود السلطة التقديرية للجماعات في تدبير صفقاتها، مقابل سلطة التأشير والمراقبة التي تمارسها الإدارة المركزية عبر ممثليها. ففي كثير من الحالات، تكون الرقابة الإدارية شكلية أو انتقائية، أو يتم التغاضي عن خروقات واضحة تحت ذرائع سياسية أو توازنات محلية، ما يضعف من مصداقية الرقابة ويُعمق الإحساس بالإفلات من المحاسبة.

ومن الزاوية الاقتصادية، تُطرح إشكالية بنيوية أخرى، تتعلق بعدم انسجام طبيعة الصفقات العمومية المحلية مع بنية النسيج المقاولاتي المغربي، الذي يتميز أساسًا بسيادة المقاولات الصغرى والمتوسطة ذات الإمكانيات المحدودة والهيكلة الضعيفة. ذلك أن عددًا من دفاتر التحملات يتم إعدادها بأسلوب يعجز عنه هذا الصنف من المقاولات، سواء من حيث حجم الضمانات أو متطلبات التنفيذ أو آجال الأداء، ما يؤدي إلى احتكار الصفقات من طرف قلة من المقاولين الكبار، وتهميش النسيج الاقتصادي المحلي، رغم أن فلسفة الجهوية المتقدمة كانت تهدف في الأصل إلى إشراك الاقتصاد المحلي في الدينامية التنموية للجماعات.

إن هذه التمظهرات المختلفة للاختلال تطرح تحديًا كبيرًا أمام ورش الإصلاح الترابي، وتدفع إلى ضرورة التفكير في نماذج جديدة لتدبير الصفقات، تراعي خصوصية الواقع المحلي، وتحترم قواعد الشفافية، وتُدمج بعدًا اقتصاديا عادلا يتيح الفرصة لمقاولات المناطق للمساهمة في التنمية، دون أن تكون مجرد أدوات لتمويل شبكات المصالح والمواقع، وهنا وجب التأكيد على ضرورة تضافر الجهود من جميع المتدخلين من أجل فتح نقاش عمومي وطني لتجاوز أبرز الاختلالات المرتبطة بنظام تدبير الصفقات العمومية من قبل الجماعات الترابية، وهنا نتحدث عن مؤسسات دستورية، من قبيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس المنافسة وأيضا عن فاعلين في القطاع الاقتصادي الاتحاد العام لمقاولات المغرب وغيره من المتدخلين.

 

*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق- المحمدية

 

 

 

 

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى