
يونس جنوحي
أخيرا اجتمعنا على حدث ما. أصبحنا كلنا أسرة واحدة قلقة مع والدي الطفل ريان الذي قضى، إلى حدود كتابة هذه الأسطر، أزيد من 40 ساعة في حفرة بئر ضيقة جدا، نواحي جبال شفشاون. فرق متخصصة حلت بالمكان منذ ليلة أول أمس، ووزارة الصحة، وهذا واجبها الأساسي، وضعت فرقا للإنعاش وسيارة بتجهيزات خاصة بهذا النوع من الحالات رهن إشارة الأسرة وعشرات المتجمهرين هناك لإخراج الطفل رغم صعوبة الحفر لانتشاله من نفق عميق قطره قرابة نصف متر فقط.
القصة وصلت إلى العالمية عندما نقلتها منابر في هولندا وأمريكا اللاتينية، وأصبحت أنظار العالم مصوبة نحونا. إنقاذ الأفراد والتدخل في حالات مشابهة يبقى دائما معيارا لقياس اهتمام الحكومات بمواطنيها حول العالم.
آخر الأخبار القادمة من هناك تقول إن عمليات الحفر استمرت طوال الليل، وإلى حدود العاشرة صباحا، كانت عمليات الحفر متواصلة. عشرات الهواتف بقيت مصوبة نحو مكان البئر الضيق لكي تنقل إلى المغاربة، والعالم، أطوار تقدم الحفر وإصرار فرق الإنقاذ على الاستمرار إلى أن يُخرج الطفل الصامد في الأسفل. الكاميرا التي أنزلت إلى قعر الحفرة ترصد أن الطفل لا يزال في حالة مقاومة داخل الحفرة، بعد أن أنعش الليلة الماضية بالأوكسيجين لإبقائه في وعيه. والحمد لله أنه لا يزال متماسكا.
علينا أن نعرف أن الأطفال في المناطق النائية يرثون رباطة الجأش من أسرهم ومن الوسط الطبيعي الصعب الذي يعيشون داخله. يناضلون لكي يذهبوا إلى المدرسة، ويناضلون لكي ينعموا بالدفء، خصوصا في نواحي شفشاون التي تنخفض فيها درجات الحرارة إلى أقل من الصفر. يتعلم هؤلاء الأطفال، دون الخامسة من العمر، أنه يتوجب عليهم جمع الحطب ومساعدة آبائهم لكي ينعموا بالدفء. لا شيء مجاني.
أطفال القرى ليسوا مثل أطفال المدن، يتعلمون تحمل المسؤولية مبكرا.
منذ انتشار قنوات البث المباشر في المنطقة، والصور كلها مسلطة على الحفرة الضيقة لمحاولة نقل ما يقع. هناك من تطوع لإطلاق البث المباشر لإخبار المغاربة بما يقع، حيث قامت فعلا بعض المنابر بواجبها الإعلامي المقدس، لكن منابر أخرى حاولت استثمار مأساة عائلة، ومعها المغاربة جميعا، وممارسة الإثارة الرخيصة واستغلال ذلك الظرف الإنساني.
كرامة الطفل وأسرته يجب أن تحفظ. الحشد الإعلامي للقصة يساعد دائما على حشد التعاطف الشعبي مع الأسرة. وفي كل الدول التي عاش فيها فرد مثل هذه المأساة، تؤلف كتب وأفلام عن الواقعة وتحصد جوائز الأوسكار، مثل ما وقع في الأرجنتين والشيلي عندما غاص عشرات عمال أحد المناجم تحت أطنان من الأتربة على عمق أزيد من ثلاثمئة متر، وجاءت فرق إنقاذ إلى عين المكان من مختلف دول العالم، واتحدت لكي تخرج العمال وتعيدهم إلى أسرهم.
بل إن العمال بعد نجاتهم لجؤوا إلى القضاء لتصفية خلاف نشب في ما بينهم بخصوص عائدات كتاب ألف عن مأساتهم المشتركة.
تناول موضوع إنساني من هذا النوع يبقى دائما مقلقا لكل الأطراف، لأن الأهم في النهاية أن يخرج الطفل ريان سالما من تلك الحفرة، ويمارس حقه الطبيعي في الركض الآمن فوق العشب دون الخوف من السقوط في حفرة أخرى.
أحد أبناء المنطقة أكد لي أن العائلات، وبينها عائلات معوزة تماما، تطبخ لفريق الإنقاذ وكل الذين حجوا إلى المكان لتقديم الدعم المعنوي للعائلة المرابطة قرب الحفرة. تحولت القرية إلى موسم «إنساني» واجتمعت النسوة لإعداد الطعام لمئات الذين قضوا ليلة بيضاء تابعوا خلالها عملية الحفر دون توقف.
مثل هذه المآسي تصهر معادن الناس وتعيدها إلى أصلها. يتعلق الأمر هنا بحياة طفل لا بد أن ينجو، لكي يرى بعينيه أن المغاربة لا يزالون بخير، وسيبقون..





