الرئيسيةبانوراما

هل يحل «الروبوت» مكان الإنسان بعد كورونا؟

اتجاهات لتوظيف قوى عاملة بديلة من الرجال الآليين

سهيلة التاور
في الفترة الحالية التي يعرفها العالم هناك العديد من التغيرات تحصل بشكل مفاجئ ومتسارع، أهمها اللجوء إلى التكنولوجيا وبالأخص إلى الإنسان الآلي أو الروبوت كمساعد أو بديل للإنسان سواء لتعزيز التباعد الاجتماعي والحد من انتشار فيروس كورونا أو للحصول على جودة أفضل في العمل كالتنظيف والتعقيم. فتجد الروبوت في المستشفيات والمطاعم والمتاجر والذي أبان عن كفاءته في هذه الفترة العصيبة، الشيء الذي يجعل الإنسان في خوف مستمر من وجود روبوت زميل له في العمل أو فقدانه لهذا العمل بعد جائحة كورونا.

مقالات ذات صلة

التاريخ دائما كان كفيلا بأن يثبت أن الآثار الاجتماعية والاقتصادية للوباء تؤدي إلى ابتكارات وتغيرات واسعة النطاق في البنى التحتية. فبعد أن دمر الموت الأسود (الطاعون) العالم وخفض عدد سكان أوروبا بنسبة 30% خلال القرن الـ14، أدى النقص الكبير في القوى العاملة إلى الابتكارات التكنولوجية والمجتمعية التي حفزت ما أصبح يعرف باسم عصر النهضة.
وفي الوقت نفسه، أدى وباء الكوليرا في القرن19 إلى بناء أنظمة صرف صحي متقدمة جديدة وكتابة قوانين تقسيم المناطق لمنع الاكتظاظ. ويظهر هذا التأثير أيضا مع دول مثل سنغافورة وتايوان وفيتنام، حيث أدى تفشي سارس عام 2003 إلى تغييرات في البنية التحتية والبروتوكولات، مما جعل هذه البلدان تنجح نسبيا حتى الآن في احتواء فيروس كورونا الجديد، فتايوان وسنغافورة لم تسجلا أي حالة وفاة بسبب فيروس كورونا حتى وقت كتابة هذا التقرير.
تقود هذه التغييرات التاريخية الخبراء لتسليط الضوء على القطاعات الرئيسية التي ستتأثر بشكل مباشر حتى بعد انقضاء الجائحة.

«روبوت» بدل الطبيب بأمريكا
قام مستشفى بالولايات المتحدة بالاستعانة بروبوت لعلاج مريض مصاب بفيروس كورونا الجديد. والمريض رجل في الثلاثينيات من العمر تم التأكد من إصابته بالفيروس.
ويحد علاج المريض بواسطة روبوت في الولايات المتحدة من تعرض الطاقم الطبي للفيروس، ويجهز الروبوت بسماعة الطبيب، ويأخذ قياسات الرجل الحيوية وينقلها للأطباء خارج غرفة المريض عبر شاشة. وقال جورج دياز، رئيس قسم الأمراض المعدية في مركز بروفيدنس الإقليمي الطبي في إيفريت بواشنطن، «يقوم طاقم التمريض في الغرفة بنقل الروبوت حوله حتى نتمكن من رؤية المريض على الشاشة، والتحدث معه».

الرجل الآلي في مستشفيات آسيا
قامت شركة إسرائيلية بصنع إنسان آلي يساعد في معالجة المرضى بفيروس كورونا في مئات المستشفيات والمراكز الطبية في آسيا ويقلل من خطر انتشار العدوى في صفوف الطواقم الطبية. فقد قامت الشركة بتطوير وإنتاج الانسان الآلي ليخدم كمرافق للمسنين والعجزة إلا أن تفجر أزمة كورونا في الصين جعله جهازا حيويا لمعالجة الأشخاص الذين يخضعون للحجر الصحي دون تعريض أفراد الطواقم الطبية لخطر العدوى.
وقال المدير العام للشركة غال غورين إن الإنسان الآلي الذي أطلق عليه اسم تيمي يملك قدرات التواصل مع البشر عن طريق برامج الذكاء الاصطناعي وله قدرة التحرك لمدة ثماني ساعات بالطاقة الكهربائية من البطاريات الموجودة بداخله قبل أن يتم شحنها من جديد. كما يتواصل هذا الجهاز مع قواعد بينات خارجية عبر شبكات «الواي فاي» و«البلو توث» وله منظومة صوتية قادرة على التواصل بالإنجليزية بتكنولوجيا المساعدة الشخصية «الكيسا». كما يملك الجهاز نظام ملاحة واستشعار يمكنه من التحرك في المنزل وخارجه وتجنب العثرات والعراقيل .
ومع بدء انتشار فيروس كورونا في الشرق الأقصى قررت شركة روبوتيمي إدخال تعديلات على نظام تشغيل الإنسان الآلي ليلائم متطلبات الوضع الجديد وتم تزويده بأجهزة إضافية مثل جهاز رقمي لقياس حرارة الجسم وكاميرات ذات حساسية للحرارة . وفي أعقاب قرار السلطات في الصين إلزام المستخدمين بقياس الحرارة قبل دخولهم أماكن العمل تم وضع الروبوت «تيمي» في مدخل العديد من المصانع ليقوم بقياس حرارة جسمهم عن بعد ويظهر الرقم على الشاشة. ويمكن استخدام الروبوت أيضا في مداخل المحال والفنادق وأماكن عامة أخرى.

الإنسان الآلي بالمصانع والمتاجر
هناك أكثر من 2.4 مليون من الروبوتات الصناعية التي تعمل في المصانع في مختلف أنحاء العالم، بحسب البيانات المستمدة من الاتحاد الدولي للروبوتات، الذي يتوقع تحقيق نمو في المبيعات يزيد عن 10 بالمئة ما بين 2020 و 2022. وتؤدي معظم الروبوتات، حاليا، عملا متكررا في المصانع الكبرى، إذ تنتج السيارات، والإلكترونيات والمعادن. وطالما كانت هذه الأذرع الصناعية العملاقة قوية ودقيقة، لكن تنقصها القدرة على التكيف. إلا أن التطورات التي يشهدها الذكاء الاصطناعي، إلى جانب التحسينات التي أُدخِلت على تكنولوجيا النظر وتوفر أجهزة أفضل للإمساك، تفتح أسواقا جديدة.
كما وفر التسوق عبر الإنترنت فرصة جذابة، حيث يتعين فرز ملايين الأشياء ذات الأحجام والأشكال المختلفة في المخازن العملاقة ثم نقلها إلى أماكن أخرى. وحتى يتسنى إحلال الروبوتات محل البشر في هذا السوق الذي يشهد نموا مطردا، ينبغي أن تكون الروبوتات قادرة على التعرف على مختلف الأشياء والإمساك بها.
وقال فينس مارينيلي من شركة روبوتيكس رايت هاند التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها «هناك شيء يمكن أن يقوم به طفل بسهولة، وهو إدخال يده في سلة مهملات والإمساك بشيء معين، لكن الروبوت يجد صعوبة حقيقية في القيام بذلك. لقد تطلب الأمر الكثير من التكنولوجيا لجعل ذلك متاحا».
وتعد شركة «روبوتيكس رايت هاند» من أوائل الشركات التي طورت مقبضا يمكن تثبيته في نهاية ذراع الروبوت، الأمر الذي يسمح له بالتقاط أغراض ذات أحجام مختلفة.
يستخدم تركيب ذراع للروبوت جهاز شفط وثلاثة أصابع للإمساك بالغرض المطلوب. أولا يمتد جهاز الشفط لاختيار الغرض المحدد ثم تتولى الأصابع الثلاثة تأمين العملية. وتُستخدم كاميرا تعمل بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتعرف على وتحديد الشيء الذي تريد التقاطه.
وأدى الإقبال الشديد على التسوق في الإنترنت إلى زيادة الطلب على هذا النوع من التكنولوجيا، إذ استثمرت شركة «أمازون» بمفردها مئات الملايين من الدولارات في التكنولوجيا في مخازنها.
وتعالج شركة «سوفت روبوتيكس» التي تتخذ أيضا من نيويورك مقرا لها المشكلة ذاتها لكن بطريقة مختلفة. حيث تتميز اليد الآلية للروبوت بأصابع مطاطية تمتلئ بالهواء، الأمر الذي يتيح لها التعامل مع المواد الغذائية الحساسة مثل البسكويت والمعجنات. وقال كارل فوس، كبير المديرين التنفيذيين، لشركة «سوفت روبوتيكس» «تتسم الصناعات الغذائية تقريبا بأنها يدوية حتى الآن، لأن كل قطعة طعام، وكل شريحة دجاج، إلخ تختلف من حيث الحجم، والشكل، والوزن. وهناك أيضا بعد إضافي يتعلق بالسلامة الغذائية، والنظافة». ويعتقد فوس أن التكنولوجيا التي تستخدمها شركته ستناسب أيضا صناعة الملابس.

كورونا فرصة للأتمتة
العالم في هذه الفترة العصيبة اتجه إلى التكنولوجية التي أبانت عن كفاءتها في هذه الأزمة، حيث يقول بيتر شينغ، المدير المساعد في مبادرات التكنولوجيا والنمو في شركة «كي بي أم جي» (KPMG) للاستشارات، أن تفشي فيروس كورونا يعتبر «فرصة للأتمتة في آخر ميل». وهذا يعني أنه إذا كانت المطاعم اليوم، كمثال، تعمل على أتمتة أجزاء من عملية التسليم، فإن الوضع الحالي سيؤدي إلى قيام المزيد من الشركات بتوسيع حدود الأتمتة في الخدمة التي تقدمها. كما أن في الصين، ارتفع بالفعل استخدام الطائرات المسيرة منذ بدء التفشي وهو ما يعني دخول تكنولوجيا جديدة في عمليات التوصيل.
وفي نفس الوقت ستضطر الشركات التي كانت على وشك تجربة طرق آلية لأجزاء من سلسلة أو خدمات التوصيل الخاصة بها إلى اتخاذ هذه الخطوة من أجل البقاء. وإذا استثمروا في هذه التكنولوجيا وظهر أنها تعمل بنجاح، فمن المحتمل ألا يروا حاجة لإعادة توظيف البشر لملء تلك الأدوار بعد السيطرة على الجائحة.
وفي هذه الظروف سوف تستمر أدوات العمل عن بعد في النمو. وقد أدت جائحة كورونا بالفعل إلى أعداد تاريخية من مطالبات إعانات البطالة في دول من بينها الولايات المتحدة وإسبانيا. ومن المرجح أن يعيد الكثير من هذه القوة العاملة النظر في وظائفهم المستقبلية ويبحثون عن وظائف أكثر أمانا ضد الأزمات المستقبلية، أعمال مستقرة نسبيا في مواجهة الأتمتة السريعة للمدينة، بما في ذلك الوظائف التي يمكن القيام بها بسهولة من المنزل.
وتشير «الفايننشال تايمز» إلى أن العديد من دور السينما ستشهد إغلاقا دائما بسبب فيروس كورونا. بشكل عام، فإن أي قطاع كان يعاني ولو بشكل بسيط في مواجهة الابتكار وأتمتة المدينة من المرجح أن يتضرر بشدة من جائحة كورونا.

رأي الخبراء
هناك عدد من الخبراء يعتقدون بأن الروبوت سيحل محل البشر في أكثر من مجال، وهو الأمر الذي يبدو أن تفشي فيروس كورونا قد سرع من وتيرته.
«كان الناس يقولون إنهم يريدون عنصرا بشريا ليخدمهم ويتفاعل معهم، لكن ذلك تغير الآن، فانتشار كورونا يغير تفضيلات الناس وخياراتهم ويفتح المجال لفرص استخدام أكبر للآلات»، كما يقول مارتن فورد، وهو خبير في شؤون المستقبل كتب عن كيفية استخدام الإنسان الآلي في مناحي الاقتصاد المختلفة في العقود القادمة.
ويقول الخبراء كذلك بأنه كلما زاد عدد المصالح التجارية التي تعود إلى العمل ستتضح رؤيتنا لاستخدام هذه الآلات، وقد نرى إنسانا آليا ينظف مدرستنا أو مكتبنا. «يهتم الزبائن أكثر بسلامتهم وسلامة وصحة العاملين الصحيين»، كما يقول بليك مورغان مؤلف كتاب «زبون المستقبل»، ويضيف أن الانتقال إلى استخدام الآلات سيجعل حياتنا أكثر صحية، وسيكافئ الزبائن الشركات التي تهتم بذلك.
ولكن لا تزال هناك بعض القيود والعوائق، فيقول مورغان إن استخدام الماكنات في البقالات يقلل الاحتكاك بالبشر، لكن هذه الماكنات لا تعمل بشكل جيد دائما، وكثيرا ما تتعطل، لذلك يتجنبها الزبائن ويفضلون الذهاب لموظفي المحاسبة.
ويقول مارتن فورد خبير شؤون المستقبل إن استخدام الإنسان الآلي في مرحلة ما بعد كورونا سيعطي امتيازات تسويقية، ويوضح أن الناس سيفضلون الذهاب إلى مكان يستعين بعدد أقل من البشر وعدد أكبر من الماكنات لأنهم يعتقدون أن ذلك يقلل من المخاطر.
وقد تنبأ تقرير صادر عن شركة «ماكينزي» للاستشارات عام 2017 أن ثلث العاملين في الولايات المتحدة سوف يحل محلهم آلات وذكاء اصطناعي بحلول عام 2030. لكن أحداثا كالأوبئة كفيلة بتسريع العملية، ويقول الخبراء إن الأمر منوط بالبشر ليقرروا كيف سيكيفون دخول التكنولوجيا إلى العالم.

دراسة
يتوقع أن تستحوذ أجهزة الروبوت على حوالي 20 مليون وظيفة في أنحاء العالم بحلول عام 2030، مما سيؤدي إلى توسيع نطاق عدم المساواة اجتماعيا، وإن كان سينعش الاقتصاد، بحسب ما تقوله دراسة جديدة. حيث تقول المجموعة الاستشارية التي نفذت الدراسة، وتدعى (أكسفورد إيكونوميكس) وهي شركة خاصة تهتم بالبحوث والاستشارات ويوجد مقرها في بريطانيا، أن الروبوتات أخذت تنتقل من المصانع إلى قطاع الخدمات، وإن هذا سيصعب على العمال ذوي المهارات المحدودة العثور على وظائف في أي مكان آخر.
وبحسب الدراسة، فإن زيادة الاعتماد على التشغيل الآلي، أو الأتمتة، سيعزز الإنتاج والنمو الاقتصادي، ويخلق وظائف كثيرة بالقدر نفسه الذي يقضي به على أخرى، لكن الخسارة الأكبر ستكون في الأقاليم الفقيرة. كما تؤكد الدراسة على أن النزوح الوظيفي الذي ستسببه زيادة استخدام الروبوتات لن يكون بنفس المستوى في أنحاء العالم، أو حتى داخل البلدان.
وقد استولت أجهزة الروبوت بالفعل على ملايين الوظائف في مجال التصنيع، وأخذت تتمدد إلى قطاع الخدمات. ويتوقع الباحثون زيادة الاعتماد على الروبوتات في قطاعات التجزئة، والرعاية الصحية، والضيافة، والنقل، والتعمير والزراعة.
وينصح القائمون على الدراسة الحكومات بالاستعداد لحدوث اضطراب اجتماعي بسبب الأتمتة، ويصفون ذلك بأنه تحدي العقد القادم.
وتأتي الدراسة في وقت تزداد فيه حدة الجدل بشأن انتشار أنواع من التكنولوجيا، من قبيل السيارات والشاحنات الذاتية القيادة، وروبوتات إعداد الطعام، والمصانع آلية التشغيل، وتأثير ذلك كله في العمالة والتوظيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى