يعيش زميلنا الصحافي رشيد لحلو، عضو لجنة الإعلام بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وضعا صحيا صعبا في الفترة الحالية. منذ عودته من كوت ديفوار وهو يحاول مراوغة تداعيات مرض تسلل إلى جسده. كان رشيد يعتقد أن الإنهاك استبد به، لكن الكشف الطبي أكد اختراق مرض الملاريا وإصراره على الإطاحة بصديقنا.
دخل رشيد غرفة الإنعاش بمستشفى الشيخ زايد في العاصمة الرباط، حيث يخضع للعلاج من مرض الملاريا، وأجمع الأطباء على أن المرض رافقه من «سان بيدرو» إلى الرباط، عندما كان يؤدي مهامه في نهائيات كأس أمم إفريقيا التي احتضنتها كوت ديفوار.
ليس رشيد الوحيد الذي يعاني تبعات «كان» لئيم، هناك عدد من زملائنا في مهنة المتاعب كتب لهم أن يسقطوا في ساحة المعركة ويستسلموا للمرض اللعين، وحين عادوا إلى الوطن تحولوا إلى زبناء للمصحات ومختبرات التحليلات الطبية، شافاهم الله.
أقسم زميل يعيش على تداعيات الملاريا ألا يقف في طابور البعثات الإعلامية الإفريقية، وآمن أن الإقصاء في مباراة للكرة لا يساوي هزيمة الجسد وخسارته أمام خصم عنيد اسمه وباء الملاريا.
حين تابعت معاناة زملائنا من مرض لم ينفع معه لقاح باستور وتعليمات الإرشاد السياحي في «سان بيدرو»، ولا نصائح صحافيين سبقونا بليلة وحيلة، تذكرت زميلنا الصحافي الجزائري حمزة بركاوي، الذي توفي بعد صراع مع مرض الملاريا أصيب به أثناء تغطيته لكأس إفريقيا للأمم بالكاميرون 2022. ومعاناة الصحافي المصري محمد غنيم الذي عاد منتخب بلاده إلى القاهرة وظل أسير أحد المستشفيات المحلية وهو في غيبوبة تامة وحالة صحية غير مستقرة، وذلك بسبب معاناته من مرض الملاريا.
اسألوا الناجين من هذا الوباء، فالحكام المغاربة لهم تجارب قاسية مع هذا المرض الذي يسكن الأدغال، فقد عاش الحكم الدولي المغربي، عبد الرحيم العرجون، أياما عصيبة في مصحة الضمان الاجتماعي مباشرة بعد انتهاء مهمة تحكيمية في العمق الإفريقي.
وقبله مات حكمنا الأسطوري سعيد بلقولة بسبب مضاعفات مرض الملاريا الذي سكنه خلال قيادته لإحدى المباريات في العمق الإفريقي، ظل ينتظر التفاتة الفيفا والكاف فلم يجد منهما إلا الكفاف والعفاف.
لن تنسينا فرحة الظفر بالكأس الإفريقية اليتيمة من قلب إثيوبيا سنة 1976، محنة المعلق الإذاعي المغربي أحمد الغربي، الذي تعرض خلال تواجده في ديرداوة وأديس أبابا للمرض الفتاك. انتابته نوبة إنهاك دون أن يعرف مسبباتها، وحين عاد إلى المغرب ارتفعت درجة الحرارة وزاد البدن سقما، لكن تشخيص المرض من طرف أحد الأطباء جعله يصرف النظر عن الأمر، سيما أن الطبيب اكتفى في وصفته بدواء مسكن لآلام الزكام. تعامل الغربي مع الداء باستخفاف شديد واقتنع، إلى حد الإيمان، بالقول المأثور: «مالك كتعرف أحسن من الطبيب»، فابتلع حبوب الاطمئنان، واستكمل تغطياته لطواف المغرب ومباريات البطولة قبل أن يعلن استسلامه للداء.
في غمرة المرض ظل أحمد يتابع المشهد الرياضي، دون أن يعلم أن جسده يتعرض للذوبان، قبل أن يلزم فراش المرض لمدة طويلة، ويتحول إلى مواظب على مصالح الاحتياط الاجتماعي في رحلة طويلة بين المصحات والتعاضديات، انتهت بالتحاق الروح ببارئها في فجر يوم 21 يونيو من سنة 1981، لم ينتبه الصحافيون لرحيل زميلهم، لأنه مات يوم إضراب «كوميرة» الأليم.
آن الأوان للتفكير في دعم البعثات الرياضية بأطر طبية، للجماهير والإعلاميين، لأن عددا منهم يكتفون بالأقراص المسكنة، وغالبا ما يعتمدون على اكتتاب جماعي لاستكمال مساطر التصدي للضرر.
لطالما أصابنا الرعب من ذبابة «تسي تسي» لكنها فوضت أمر الفتك للملاريا تبا لها.