الرأي

اقتراح الحكومة ومشجب الأطباء

تفتقت عبقرية الحكومة كما العادة، هذه المرة في قطاع الصحة، ففي محاولة منها لـ«معالجة» الوضع الصحي للمنظومة، اقترحت أن يعمل الخريجون الجدد من الأطباء في المناطق النائية للمغرب وفق نظام الخدمة المدنية الإجبارية، والذي يفترض سنتين من العمل يتقاضى فيهما الطبيب ألفي درهم مقابل خدمة بدون عقد عمل، إضافة إلى غياب أي تغطية صحية..
اقتراح حكومتنا الموقرة وكما تبرر له، يعتبر تجسيدا لقيم التضحية والتضامن مع بسطاء الشعب المغربي من قبل الأطباء، تضحية تتطلب من الخريجين الجدد أن يشتغلوا سنتين في قندهار المغرب وبشروط مهلكة إن صح التعبير.. طيب؛ إنه أمر غاية في النبل والشهامة أن يتضامن الجميع مع سكان الفجاج والمعلقين بين السماء والأرض، ولكن، أليس من العقل والمنطق أن يبدأ صاحب الاقتراح سواء كان شخصا أو هيئة سياسية بنفسه؟؟ لست أقصد هنا أن يذهب أعضاء الحكومة للعمل في فيافي المغرب للبرهنة على حسن نيتهم، أعني أن يعلنوا تضامنهم معهم بالاقتطاع من رواتبهم السمينة والاحتفاظ بألفي درهم فقط، الملايين الباقية تخصص للنهوض بقطاع الصحة في هذه المناطق، فأهلها لا يطلبون الشيء الكثير.. ما رأي حكومتنا الإنسانية جدا؟؟ بقرار غير مسبوق مثل هذا سيكون وزراؤك قدوة يقتدي بها كافة فئات الشعب المغربي عن طيب خاطر.. لكن، وبما أننا ألفنا من ساسة هذا البلد أن يجلسوا في مكاتبهم المريحة ويعقدوا اجتماعاتهم ويقترحوا حلولا يستحيل أن تمس مصالحهم أو امتيازاتهم، فإن اقتراحي هذا لا يعدو أن يكون ثرثرة على ضفاف الحق والمنطق والواجب ولن يجد له أي صدى.. لقد ألفنا منهم الدفاع عن امتيازاتهم ومكتسباتهم، بل والمطالبة بالمزيد حتى ولو كانت على حساب قوت المواطن البسيط، ألفنا منهم الركوب على الطرف الأضعف في الحلقة وتطبيق إجراءات التقشف على البسطاء فقط..
تبريرات التضامن والتضحية هذه لن يصدقها أحد، وأي عاقل يعي جيدا أن الاقتراح ليس سوى ترجمة لإذعان الحكومة لقرارات المؤسسات المالية الدولية، ندرك جيدا أنه من تجليات قصة الحب بين الحكومة المغربية ومدام كريستين لاغارد، التي لا تفوت مناسبة للتغزل بالمغرب، كولد مطيع يسمع الكلام جيدا وينفذه بتفان ودون إبداء أي تذمر، ولد لا يهمه سوى نيل رضى مؤسسته للحفاظ على استقراره. من عادة السياسي الفاشل أن تفرغ جعبته من الحلول العملية والشمولية، فيلجأ إلى القفز على أقصر حائط أمامه، والذي يكون دائما هو الطرف الأضعف في الحلقة، طرف يجب أن يؤدي ثمن سياسات فاشلة اتخذت يوما بعيدا عن مصالح الشعب..
حتى لو كان هذا الاقتراح هو مجرد جس لنبض الشعب بخصوص إجراءات أخرى قادمة وتظهر فيه الحكومة أمام الشعب بمظهر المبادر والباحث عن حلول لمشاكل البسطاء، لكنها «مالقاتش مع من»، فإن الأطباء لم يعلنوا رفضهم لهذا الاقتراح لأنهم يرفضون العمل في المناطق النائية للمغرب، يرفضونه بسبب الشروط المهينة والتي تعرضهم للخطر، وبسبب الأجر الهزيل الذي لا يكفي لسد الرمق؛ هم في الأول والأخير بشر وليسوا ملائكة..
فلا داعي إذن لهذا العزف الرديء على وتر مشاعر البسطاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى