صحة نفسيةن- النسوة

الحزن بعد الجماع.. حالة طبيعية أم اضطراب نفسي؟

مشاعر سلبية لأزواج بعد نهاية العلاقة الحميمية

إعداد: أميمة سليم
سوف نتطرق في عدد هذا الأسبوع، من دليل الصحة النفسية، لاضطراب منتشر بين الأزواج لكن لا يتم الحديث عنه بشكل كبير، حيث يتعرض كثير من الأزواج والزوجات لمشاعر سلبية كالكآبة بعد الانتهاء من ممارسة العلاقة الحميمية،
قد يبدو الأمر غريبا، لاسيما إذا كانت العلاقة الزوجية مرضية للطرفين، ولكن الأمر ليس مجرد حالات فردية، بل إنه منتشر جدا، ويُعرف علميا باسم اضطراب ما بعد العلاقة الحميمية.

مقالات ذات صلة

ما هو حزن ما بعد الجماع؟
حزن ما بعد الجماع هو الشعور بالحزن والقلق أو العدوانية بعد الجماع. يأتي الاسم من اللاتينية الحديثةpostcoitalis، والفرنسيةtristesse، حرفيا تعني «الحزن». قد يُظهر كثير من المصابين بهذا الاضطراب شعورًا قويًا بالقلق يستمر من خمس دقائق إلى ساعتين بعد الجماع.
ذكر الطبيب اليوناني جالينوس هذه الظاهرة لأول مرة عندما كتب «إن كل حيوان يحزن بعد الجِماع باستثناء الأنثى البشرية والديك». كتب الفيلسوف باروخسبينوزا في كتابه «تحسين فهم المفاوضات»، «بقدر ما يثير السرور الحسي قلقًا، يتم التفكير فيه بشكل كبير، كما لو كان في سلام وخير، ويمنع من التفكير في أي شيء آخر. ولكن بعد التمتع بالمتعة الحسية، يأتي الحزن الأكبر. إذا كان هذا لا ينخرط بشكل كامل، فلا يزال يربك العقل ويملؤه».
أفادت الدراسات بأن عددا كبيرا من الأشخاص قد عانوا من الـحزن ما بعد الجماع مرة واحدة على الأقل في حياتهم، ويرتبط حزن ما بعد الجماع بين الذكور بالضيق النفسي الحالي، والإساءة الجنسية خلال الطفولة، والعديد من الاختلالات الجنسية.

الحزن بعد الجماع: شعور طبيعي أم اضطراب نفسي؟
هناك العديد من العوامل التي قد تؤدي إلى شعور أحد الزوجين أو كليهما باضطراب ما بعد العلاقة الحميمة.

– أسباب الشعور بالحزن بعد العلاقة الحميمة وكيفية التغلب عليه
تشير بعض الدراسات إلى أن التغيرات الهرمونية المصاحبة للشعور بالنشوة تلعب دورا كبيرا في الشعور باضطرابات ما بعد العلاقة الحميمة، ولكن هناك أسباب وعوامل أخرى تختلف من شخص لآخر.
– التفكير في الحمل: يُعد التفكير في الحمل من أكثر الأمور التي تفسد متعة العلاقة الحميمة وتعكر صفوها، سواء كان التفكير بدافع الخوف من حدوث الحمل أو الرغبة الشديدة في حدوثه. قد يصعب التوقف عن التفكير في الحمل بعد ممارسة العلاقة الحميمة، ولكن على الأقل يجب على المرأة أن تدرك أن التفكير لن يزيد من احتمالية حدوث الحمل، وكذلك لن يمنعه، بل إنه فقط يفسد فقط لحظات المتعة
– عدم الرضا عن الأداء الحميمي: إذا كان أحد الزوجين لديه توقعات معينة بشأن العلاقة الحميمة، وكان الواقع لا يقابل هذه التوقعات، فإن هذا قد يكون السبب وراء الشعور بالإحباط بعد الانتهاء من ممارسة العلاقة الحميمية. والحل في هذه الحالة يتلخص في التحدث بصدق مع الطرف الآخر ومشاركته الأفكار والتوقعات والمخاوف بشأن العلاقة الحميمة، فتقريب المسافات وكسر الحواجز بين الزوجين هو المفتاح السحري لعلاقة حميمة أكثر متعة ودفئًا.
– تراكم المشكلات بين الزوجين: تؤثر الخلافات الزوجية على كفاءة العلاقة الحميمة، وتزيد من احتمالية الشعور بمشاعر سلبية بعد الانتهاء من ممارستها، خاصة في حالة عدم تصفية الخلافات والتحدث بشأنها والتعامل بشكل طبيعي دون حل المشكلة وعقد اتفاقات بين الزوجين. الحل: يجب تصفية أي خلافات بين الزوجين حتى ولو كانت بسيطة، حتى لا تتراكم المشاعر السلبية داخل النفوس ثم تظهر فجأة في أوقات مثل العلاقة الحميمية.
– انتهاء اللقاء الحميمي: في كثير من الأحيان، يصل الزوج إلى الذروة مبكرا، بينما تكون الزوجة لم تصل إلى مرحلة الإشباع، فتشعر بالإحباط لسرعة انتهاء العلاقة الحميمية، ويزيد الأمر سوءا عندما يسرع الزوج بالتوجه إلى الحمام بعد انتهاء العلاقة الحميمية مباشرة، أو يدير ظهره ويستغرق في سبات عميق.
– معتقدات خاطئة: تتسبب المفاهيم الخاطئة حول العلاقة الحميمية في اضطراب المشاعر والشعور بالحزن أو الإحباط بعد انتهائها، مثل الاعتقاد بأن ممارسة العلاقة الحميمة يعد «عيبًا». قد يصعب التغلب على مفاهيم ومعتقدات راسخة في الأذهان منذ الطفولة، ولكن مع الوقت ستغلب الفطرة وستذوب الحواجز بين الزوجين ويعلمان أنهما الملاذ الآمن لبعضهما البعض.
للإشارة فإن اضطراب ما بعد العلاقة الحميمة يصيب عددا كبيرا من الزوجات، بل والأزواج أيضا، ولكن يمكن التغلب عليه عن طريق التحدث مع بعضكم البعض بصراحة عن المشاعر والتوقعات بشأن علاقتكما دون خجل، فالتحدث والمشاركة هما الخطوة الأولى لتخطي أي صعوبات في العلاقة الزوجية بأكملها.

الحزن بعد الجماع عند المرأة
تختلف أسباب الشعور بالحزن بعد العلاقة الحميمية عند المرأة نذكر أهمها في هذا المقال
-الهرمونات: بعد انتهاء العلاقة الحميمية تنخفض بعض الهرمونات المسؤولة عن السعادة، والتي ترتفع في أثناء العلاقة، بشكل مفاجئ وهو ما يتسبب في الشعور بالانزعاج، وربما البكاء لفترة قليلة، ولكن هذه الحالة لا تستمر طويلا ولكن سرعان ما تعود المرأة للوضع الطبيعي مرة أخرى، لذلك فإذا كنتِ تشعرين برغبة في البكاء بعد انتهاء العلاقة فالأمر ليس خطير وإنما يتعلق بتغير بعض الهرمونات التي ترتفع جدا وقت العلاقة ثم تنخفض بشكل مفاجئ ويعبر عنها الجسم بالبكاء أو الحزن.
-الرفض : كثير من العلاقات الزوجية تسيطر عليها الخلافات، إلا أن بعض السيدات لا تناقشن مشكلاتهن أو مشاعرهن خوفًا من الهجر لهن أو خوفا من ردود الأفعال بشكل عام، فتخزن دائمًا في داخلها مشاعر سلبية تتسبب في تكون التراكمات التي تظهر بالطبع في تعاملاتها مع الطرف الآخر، حتى في أثناء العلاقة الحميمية. وتتسبب التراكمات ومع مرور الوقت في أغلب الأحيان إلى تكون حاجزا نفسيا بل ونفورا من الطرف الآخر، لذلك فتشعر المرأة بعد انتهاء العلاقة الحميمية بحالة من الحزن بسبب حدوث العلاقة من الأساس وشعورها بإحساس الاستهلاك أو أنها «مُستخدمة» لغرض ما. وهو سبب كاف لشعور المرأة بالحزن بعد العلاقة.
-أسباب طبية لا تتوقف أسباب شعور المرأة بالحزن بعد العلاقة عند مجرد الأسباب النفسية ومسائل متعلقة بتغير الهرمونات فقط، وإنما هناك أيضا أسباب طبية تتسبب في ذلك مثل جفاف المهبل أو التهابات المهبل بشكل عام، أو آلام حدثت وقت العلاقة وجروح بسيطة مثلا.
-الظروف الاجتماعية: قد تؤثر الظروف الاقتصادية الصعبة والضغط النفسي والعصبي، في شعور المرأة بالحزن بعد انتهاء العلاقة، لتفكيرها في الأمر.
-الحوادث: بعض النساء تعرضن لانتهاكات جنسية أو حالات تحرش، فتتذكر تفاصيلها في كل مرة تحدث علاقة حميمية مع زوجها، فحتى إن وصلت للنشوة وشعرت بالارتياح وقت العلاقة إلا أنها سرعان ما تتذكر الأحداث السابقة التي تشعرها بالحزن بعد العلاقة.

كيفية تجنب الشعور بالحزن بعد انتهاء العلاقة الحميمة؟
ليست كل الأسباب نفسية أو تتعلق بالهرمونات بل منها أيضًا أسباب مرضية لذلك فهناك مجموعة من الخطوات التي تجنب الشعور بالحزن بعد العلاقة.
-علاج المشكلات الصحية: إذا كنت تعانين من جفاف المهبل أو أي التهابات مهبلية فمن الضروري زيارة الطبيب لاستشارته والحصول على العلاجات الطبية اللازمة لتجنب الشعور بالألم والانزعاج سواء في أثناء العلاقة الحميمة أو بعد انتهائها.
-النقاش والحوار: احرصي دائما على النقاش مع زوجك في المشكلات أو المواقف التي تتسبب في آثار نفسية سيئة عليك، فالنقاش الصحي يعد واحدا من أهم أسباب نجاح العلاقة الزوجية بشكل عام والحميمة بشكل خاص. قد تكون هناك بعد الحركات أو الأوضاع التي تتسبب في إيذاء نفسي لك أثناء العلاقة الحميمة، احرصي على التعبير عن هذه الأشياء وطلب تجنبها.

الحزن بعد الجماع عند الرجال
هل انتابكم فجأة الشعور بالكآبة واليأس من أنفسكم ومن الطرف الآخر بعد الانتهاء من الجنس رغم أن العلاقة الحميمية بينكما سارت على خير ما يرام؟ لا شك أن للجنس فوائد مذهلة خاصة من ناحية المساعدة في الحد من الألم، وتقوية جهاز المناعة والمساعدة على النوم بشكلٍ أفضل، إلا أنه يبدو أن للعلاقة الحميمية أثرا غير متوقع على مزاج بعض الأشخاص: فبالرغم من الوصول إلى النشوة، فإن البعض منهم يشعر فجأة بالأرق وبنوبة من الحزن لدرجة البكاء من دون القدرة على تفسير ذلك.

اضطراب ما بعد النشوة
حاولت العديد من الدراسات تحليل المراحل الثلاث الأولى من الاستجابة الجنسية للإنسان: الإثارة، الاستقرار والنشوة الجنسية. وفي حين أن المشاكل الجنسية المتعلقة بالرغبة والإثارة والنشوة خضعت لأبحاثٍ واسعة النطاق، إلا أنه في الكثير في كثير من الأحيان يتم التغاضي عن مرحلة ما بعد الجماع والإحساس السلبي الذي ينتاب بعض الأفراد ويمكن أن يتحول إلى كآبة حقيقية.
يمكن للجنس أن يجعلنا نشعر بالضعف، فأثناء الجماع غالبا ما يشعر الرجال بأنهم «أقوياء» ولكن ما إن تنتهي العلاقة الجنسية حتى يشعر البعض منهم بالعجز وكأنهم فقدوا جزءا من «ذكوريتهم»، الأمر الذي يسبب لهم الكآبة.
عند ممارسة الجنس يطلق الدماغ بعض الهرمونات التي تسبب ردود أفعال مختلفة من الضحك الهستيري وصولا إلى البكاء من دون سببٍ واضحٍ.
من هنا أوجد الباحثون مصطلح «اضطراب ما بعد الجماع بالفرنسية ـLa dysphorie post-coïtale، في إشارة إلى الشعور بالإثارة، الكآبة، القلق أو الحزن بعد الجماع حتى عندما يحدث الجنس بالتراضي، مع العلم أن هذه الحالة تطال الرجال والنساء على حد سواء ويمكن أن تستمر بين 5 دقائق وساعتين.

ظاهرة منتشرة
في وقتنا الراهن، أصبح العالم مهووسا بالعملية الجنسية لدرجة أنه بات من السهل نسيان الشعور الذي يخلفه أحياناً الوصول إلى النشوة، ولكن بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من «اضطراب ما بعد الجماع» فإن الجنس يمكن أن يتحول إلى تجربة مخيفة
بالرغم من أن البعض ينظر إلى اضطراب ما بعد الجماع على أساس أنه حالة استثنائية، أكدت الدراسات الحديثة أن هذه الظاهرة منتشرة إلى حد كبيرٍ بين الجنسين: ففي العام 2015 أفادت دراسة نشرت في مجلة الطب الجنسي بأن حوالي نصف النساء اللواتي شملهن الاستطلاع اختبرن اضطراب ما بعد الجماع في مرحلة معينة من حياتهن مع العلم أن 5 في المائة منهن أكدن أنهن يشعرن بهذه الأعراض بانتظام، وبدوره كشف مسح شارك فيه 1208 ذكور، أن 40 في المائة منهم اختبروا هذه الحالة في مرحلة ما من مراحل حياتهم، في حين أن 4 في المائة اعترفوا بأن هذه الحالة تحدث لهم بشكل منتظم. وبغض النظر عن عدد الرجال الذين أفادوا أنهم يعانون من هذا الاضطراب فإنه يبقى من الصعب على الباحثين أن يدرسوا بعمق هذه الظاهرة خاصة أن معظم الرجال يجدون صعوبة في التحدث عنها، وفق ما يؤكده «روبرت شفايترز»، أستاذ علم النفس في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا: «الرجل الذي يعاني من اضطراب ما بعد الجماع يعتقد أنه الشخص الوحيد في العالم الذي يمر بهذه التجربة».
بمجرد أن تصبح المتعة الحسية من الماضي، فإن جميع الأحزان تتوالى من الهرمونات وصولا إلى الشعور بالعجز، هناك أسباب عديدة تقف وراء الشعور بالحزن بعد ممارسة الجنس: عوامل بيولوجية: عند ممارسة الجنس يطلق الدماغ بعض الهرمونات، وفي هذا الصدد اعتبرت «دينيزنولز»، أخصائية في العلاج الجنسي، أن الحزن بعد الجماع يمكن أن يكون ناجما عن «انفجار الهرمونات» في الجسم بما في ذلك الأندورفينوالأكسيتوسين إثر العلاقة الحميمية.
صدمة جنسية: إن التعرض لصدماتٍ جنسيةٍ والوقوع ضحية الاعتداء الجنسي يمكن أن يولد لدى بعض الأشخاص مشاعر «جياشة» بعد إتمام العلاقة الجنسية حيث يذكرهم الجماع بالاعتداء الجنسي الذي سبق أن تعرضوا له.
يعتبر موقع «فايس» أن اضطراب ما بعد الجماع مرتبط إلى حد كبير بالشعور بالخسارة وبفكرة أننا لم نعد «معاً» جسدين في روحٍ واحدة، وكون أوجه حياتنا تنطوي دوما على الولادة والموت، الترحيب والوداع، فإن كيفية إدارة هذه التحولات أمر ضروري لرفاهيتنا، لذا إن وجدتم أنفسكم في دوامة سوداء بعد فترة قصيرة من شعوركم بالنشوة الجنسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى