شوف تشوف

الرأي

ليلة القدر

ــ لماذا نهضت من فراشك؟ عد إلى نومك أرجوك… أنا آسفة إن كنت قد تسببت في أي إزعاج.
ــ أبدا لا إزعاج ولا أي شيء، أنا فقط لا أفهم.. إلى أين أنت ذاهبة؟؟ هل سترحلين؟
كان شابا وسيما وفي غاية اللطف، وكان صانعا ماهرا… يتقن صناعة الفرح، ولفافة الحشيش، لا يألو جهدا في الحصول على الأجود منه، كان مهووسا بالطبيعة في كل أشكالها وتجلياتها، يحب جني أوراق الكيف مثل حبه لعشب إكليل الجبل ينتشي برائحة كل منهما، ويردد باستمرار: الحياة تهدي عبقها للذين يمسكون بيدها… كان يحب أن يمسك بكل شيء جميل في نظره، ويعد ذلك طقسا دينيا يشبه العبادة… يعدو كطفل ليمسك وردا ويمسد نهدا ويلهو بأصابعه فوق كل شيء لم تطله يد المفاجأة…
وقعت عيناها عليه أول مرة، عندما استضافها أحدهم على العشاء بأحد المطاعم الأنيقة بشاطئ أشقار، ولأن القدر كان كريما فقد ضمه إلى مائدة العشاء حيث دعاه نفس الشخص قبل ثلاثة أيام على نفس المأدبة… لم يتوقف ثغرها عن الابتسام منذ أن رمقها بنظرة كانت تعرفها جيدا ولا تروقها كثيرا، لكنها تجعلها تستميت على ما تصبو إليه وإن كان مزحة؛ نظرة من يعشق حضور امرأة، في حين يتقن وضع أقنعة الزهد واللامبالاة. في الواقع لقد اجتهدت كثيرا من أجل التجوال بطرفها متأملة سحر النجوم المتناثرة في الأفق وهي تراقص القمر المنتشي بإغراءات الجمال في ليلة ماجنة. وتارة تنظر إلى فقاعات الماء المتلألئة فوق أضواء المسبح بألوان وموسيقى «كريستيان موكو»… موسيقى الجاز تشعرها بالضعف والتبعثر إزاء رغباتها وما يقفز بدواخلها من أحاسيس لا يمكن أن توصف إلا بالجنون البديع… لكن ابتساماتها كانت مكشوفة يصعب إخفاؤها أو تجاهلها، تختزل كل ما بها مما يشبه السعادة العابرة في هدوء. فكرت في الإمساك بسيجارة تلهيها عن الصدمات الكهربائية التي تنبعث من عينيه، لكنها عدلت عن ذلك دون التفكير بـ «لماذا»…
كيف للحظة فيها ما فيها من الغرابة والسحر، أن تلغي حضور أشخاص كثر بأحاديثهم ونقاشاتهم ومزاحهم وضحكاتهم المتتالية، وتبقي على شخص واحد وصوت واحد وحضور أوحد؟
استمتع الجميع بمذاق الأصناف المتنوعة من المقبلات والسلطات وأطباق السمك الفاخر، لكن المتعة الحقيقية هي تلك التي انبعثت من عمق المدعوين لتؤلف بينهم وتكسر حواجز الخجل والتحفظ في التعابير، ما جعلهم يلتحفون عباءة الحميمية، ويفترشون بساط الحرية والحلم.
لم يتمكن نجم السهرة أن يحتفظ بأقنعته كثيرا، إذ ما فتئت تتساقط تباعا، حتى بدا الشاب الوسيم «الثقيل» مرحا بسيطا يتحدث عن مغامراته وإخفاقاته بكثير من السخرية، ويحكي عن علاقته بالموسيقى وحبه للعزف والغناء، كان يتقن فن الدعابة ويسرد نكات تجعل الكل يلتقط أنفاسه من شدة الضحك ولا يضحك، كانت شخصيته مميزة تستحوذ على لب المحيطين به وتستأثر بانتباههم وتتبعهم.
(يتبع…)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى