الرأي

إسرائيل إلى أين

بقلم: خالص جلبي

إن إسرائيل ولدت ميتة وضعت بذرتها في أرض صخرية ليست للحياة. الغرب زرع إسرائيل، لأنه أراد بضربة مضاعفة التخلص من اليهود والتظاهر بالإحسان إليهم، عن فظاعة ما جرى لهم في ظروف الحرب العالمية الثانية على يد النازيين بكرم حاتمي غير مشهور به الغرب أو معروف عنه، كل هذا جرى على حساب مائدة آخرين، وجاء هذا الإحسان الغربي على حساب العرب كما يقول الألمان (WIEDERGUTMACHUNG)، أي الإحسان تعويضا عما جرى لهم، ولكنها كانت ضربة ذكية على حساب معاناة اليهود والعرب معا، وكما يقول المثل: «اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين»؛ فهم تخلصوا من إزعاجاتهم وسيطرتهم في أوروبا ففرغوها منهم، وشحنوهم إلى الشرق، فحمل العرب أثقالا مع أثقالهم. وهكذا بنيت إسرائيل بذراع البطش وتحت الرعب بالفناء في حركة استيطان من جهة، وتفريغ للسكان الأصليين، مذكرا بنهاية الهنود الحمر، أو تدمير حضارة الأزتيك في المكسيك، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وأكبر غلطة وقعوا فيه أنهم لم يفعلوا ما فعل الأمريكان مع الهنود الحمر، فانهالت عليهم صواريخ حماس في ماي 2021، ولم يهنأ ولن يهنأ بنو صهيون براحة ما داموا فيها!
إن فيلسوف التنوير اليهودي (سبينوزا) انتبه إلى معضلة اليهود منذ القرن السابع عشر أنهم «لا يعيشون بشرا ممن خلق الله»، فكلف هذا الفيلسوف لعنة المجمع اليهودي أن تشمله اللعنة في نهاره وليله، وأن لا يقرأ أحد مما جرى به قلمه، وأن لا يقربه أحد مسافة أربع أذرع.
هكذا ولدت (إسبارطة) الشرق الأوسط، كما جاء في كتاب «خيار شمشون SAMSON OPTION»، الذي وضعه (سيمور هيرش). روى لي زائر عربي دخل إسرائيل، أن كل مواطن إسرائيلي خاضع للتدريب كل سنة بوقت يزيد وينقص، وكل واحد عنده صندوقه العسكري الخاص به برقمه السري، بما فيها بقاياه بعد موته، للتعرف عليه، سواء بقرص معدني يعلق في الصدر أو بختم سري على حذائه. وكل إسرائيلي جاهز خلال خمس دقائق للانقلاب إلى إسبرطي، يحمل سيفه ودرعه ليتحول كل ما يدب على الأرض إلى ثوب عسكري، وكل سيارة إلى ناقلة عسكرية تحمل جنود صهيون إلى الهيعة، وكما في تعبير الألماني (NIE WIEDER AUSSCHWIETZ) بمعنى لن تتكرر مذابح اليهود في معسكرات الإبادة في أوشفيتز. وهذه المقارنة تفتح عيوننا على وضع الجيوش والقبائل العربية، حتى نفهم لماذا مد الله في عمر إسرائيل نصف قرن، مع أنها ولدت كي لا تعيش.
إسرائيل صنعها الغرب على عينه، وجاء موسى بنسخة مزيفة هذه المرة على قدر من التاريخ، كما في قصة المسيح الدجال، وظن الغرب كما فعل الثعلب مع البراغيث على ظهره أن يتخلص منهم فيدفعهم إلى دولة واحدة، عسى أن يكون مدفنهم الأبدي في المشرق إلى غير رجعة، ولكن اليهود كما يقول (جيفري لانغ) في كتابه «الصراع من أجل الإيمان» إن اليهود يمتلكون حاسة، خاصة أن الأقدار قد تنقلب عليهم في أي وقت، وما خبر النازيين عنا ببعيد، وهو يذكر ملاحظته هذه عندما بقيت زوجته بعد الطلاق تحمل اسمه لفترة طويلة، وكانت يهودية كي يكون لها برقعا، ولذلك ندر من الإسرائيليين من لا يحمل أكثر من جنسية.
والغربيون يعرفونهم من أسمائهم فكل ما له صلة بالذهب يهودي حتى يثبت العكس، مثل جبل الذهب (غولد بيرج) أو من يسحب الذهب (غولد تسيهر)، وهكذا يمسك اليهود بالعصا من المنتصف؛ فالمعاناة في التاريخ علمتهم الكثير، وهي ضدهم وبسببهم كما في تداخل السبب والنتيجة.
الغرب زرع إسرائيل وهو يحمل هذه المسؤولية التاريخية، وهو الذي سهل لها الحصول على التقنية النووية، والغرب يراهن على حصان طروادة هذا في الشرق الأوسط، وهو ما زال يمدها بأسباب الوجود المالية والمعنوية. ويبقى اليهود طوائف، فمنهم من كان بالخندق الأول عند جبل صهيون يكرر قول الأسفار: ليلتصق لساني بحلقي إن لم أذكرك يا جبل صهيون. ومنهم من يمد بالمال والنفوذ من أمريكا وكندا وفرنسا. وهناك طوائف ترى قيام إسرائيل كله خطأ وخطيئة، لأنها مرتبطة بقدوم المسيح. وهذا مبدأ هام يعلمنا إياه القرآن أنهم (ليسوا سواء) وأنه (من قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) وأن نماذج مثل (فنكل شتاين) أو (روبرت فيسك) أو (نعوم تشومسكي)، ليذكر بعبد الله بن سلام.
إن المجتمعات تتسرطن إما داخليا بتغير طبيعة الخلايا، وإما من خلال تسرب الخلايا السرطانية من مكان آخر بعيد، وهو المعروف بالانتقالات الورمية. والعالم العربي اليوم مهدد مرتين بالتحول السرطاني الداخلي من خلال الاستبداد، عندما تتغير طبيعة الإنسان في جو الخوف إلى خبيث متعفن. ومهدد ثانيا بالاجتياح السرطاني الإسرائيلي. إن المحافظة على (كبسلة) الورم الصهيوني حيوية، لضبط الورم أن لا تبرز له أذرع سرطانية. والامتداد السرطاني ليس بالاحتلال العسكري، بل بالهيمنة الثقافية. هذا وإن معالجة الأورام من أشق المسائل عند الأطباء وأحفلها بالغموض والتحدي. وإن غليان المنطقة هو صورة معبرة عن حيرة كل الأطباء في العالم، أمام معالجة الورم الصهيوني.

الغرب زرع إسرائيل وهو يحمل هذه المسؤولية التاريخية، وهو الذي سهل لها الحصول على التقنية النووية، والغرب يراهن على حصان طروادة هذا في الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى