
في خطوة أثارت موجة واسعة من الانتقادات والسخرية من القيادات الحزبية، التي استولت على المنصب ولا تريد مغادرته إلا على الأكتاف نحو القبور، تم التمديد لإدريس لشكر لولاية رابعة على التوالي على رأس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ضاربا بعرض الحائط كل الشعارات التي ظل الحزب يرفعها لعقود من الزمن حول النضال الجاد والدعوة إلى التجديد والتشبيب وتفعيل الديمقراطية الداخلية، وتنحي قيادات اشتراكية عن المسؤولية في عز قدرتها على المواصلة ودعمها من القواعد، لمنح مؤشرات قوية للأجيال القادمة وترسيخ مبدأ التداول على السلطة.
هذا القرار الذي يدافع عنه لشكر والمقربون منه كونه يعود لاختيارات المناضلين، لا يمكن عزله عن ظاهرة مرضية تتفشى داخل العديد من الأحزاب المغربية، حيث تُغتال آمال الشباب في التغيير من الداخل في وضح النهار، ويتم إغلاق الأبواب بإحكام أمام الطاقات الجديدة، لفائدة زعامات شاخت في المنصب وتتشبث بشكل غريب بالمكاسب والامتيازات، في مشهد يعكس انفصاما تاما بين الخطاب السياسي والممارسة بالميدان.
إن التمديد المتكرر للزعامات الحزبية التي حولت الأحزاب إلى ما يشبه الزوايا وعلاقة الشيخ بمريديه، يفضح الشعارات الجوفاء والتباكي على مبادئ الديمقراطية، كما يكشف عن مزاعم دعم قضايا الشباب والإنصات لهمومهم والتفاعل مع انشغالاتهم، ويؤكد أن بعض القيادات تعيش للأسف خارج الزمن الوطني والدولي، وغير قادرة تماما على مواكبة التحولات العميقة التي يعرفها المغرب والعالم في مجالات الاقتصاد، التعليم، والسعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس.
وما يجب أن تعلمه الزعامات الحزبية التقليدية، أنها أصبحت اليوم متجاوزة ومادة دسمة للسخرية والتنكيت من قبل الفئات الشابة على المنصات الاجتماعية، ما يفاقم من أزمة الاستقطاب والتأطير الحزبي، ويساهم في تمييع العمل السياسي وتنفير الرأي العام، من تتبع الشأن الحزبي وعدم تفكير الشباب في الانخراط في الحياة الحزبية.
هذا الوضع الحزبي الذي نعيشه الآن، لا يواكب تطلعات الشباب ولا يجيب عن تساؤلاتهم ويغلق أمامهم أبواب الأمل في تحمل المسؤولية السياسية، إذ استمرار هذا النهج السياسي هو اغتيال ممنهج للأمل في بناء ديمقراطية حقيقية، ولن يتحقق التغيير المنشود إلا بتجديد النخب، وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة داخل الأحزاب قبل المناداة بها داخل المؤسسات الرسمية.
لقد نزلت القيادات الحزبية بالتدبير الحزبي إلى الحضيض، وأصبح الخطاب السياسي يعيش الانحطاط على كل المستويات عوض الرقي به لاستقطاب الفئات الشابة وإغرائها بالمشاركة السياسية، كما نزلت قيمة التداول الديمقراطي، وحل محلها الإبداع في صناعة زعامات أبدية معزولة عن الواقع، ومريضة بالنرجسية ولا ترى نفسها خارج المنصب وتحيط نفسها بهالة فارغة، وتهدد أحيانا بقلب الطاولة ولغة الوعيد، بعدما استفادت لسنوات من الريع والامتيازات ووزعت المناصب على المقربين والداعمين على حساب الصالح العام واستغلال السلطة.
إن استمرار نفس الوجوه في القيادة الحزبية يعكس انسدادا في الأفق السياسي ويغتال الأمل في التداول الديمقراطي داخل الأحزاب، ما يكرس الإحباط ويغذي العزوف السياسي، وهو الشيء الذي يشكل نشازا داخل منظومة المشاريع الكبرى، وطموح المملكة المغربية لدخول نادي الكبار، والمرحلة التي تتطلب زعامات سياسية تقود التغيير ورجال دولة بنكران للذات، لهم رؤية واضحة للمستقبل وقلبهم على الوطن ومصالحه العليا وليس مصالح العائلة والقبيلة والمقربين وما جاورهم.





