الرأي

الهيت يروض السامبا

حسن البصري

قال هشام الدكيك، مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة، إنه فخور بالإنجاز الذي حققه الفريق الوطني رغم الخروج من ربع نهائي كأس العالم على يد أو بأقدام المنتخب البرازيلي بهدف يتيم. وأضاف أن لاعبيه خرجوا رافعي الرؤوس منتصبي القامات من مونديال ليتوانيا، أمام خصم من العيار الثقيل.
ولأن أغلب مكونات المنتخب المغربي تنحدر من مدينة القنيطرة، فإن عقارب الزمن توقفت في عاصمة الغرب بعدما اشرأبت الأعناق لمنتخب يصر على ترويض البرازيليين وتلقينهم فن الهيت الغرباوي، الذي لا يختلف كثيرا عن خطة المدرب حيث يسود منطق النظام المحكم والهدوء والتفاهم بين الراقصين والعازفين واللاعبين.
حاول البرازيليون الرقص على أنغام السامبا، بحثوا عن إيقاع يمكنهم من بسط سيطرتهم على منتخب مغربي وإجبار عناصره على التمايل مع رقصتهم الأسطورية، لكن هيهات. لقد بات منتخب البرازيل كتابا مكشوفا، فهو دوما أهم فريق في المونديال وكل الناس تنتظر منه الأداء المبهر والإبداع الذي يطفئ لوعة الانتظار، ولكنه يعتمد دائما على الحلول الفردية.
لقد خرجتم أيها الشجعان من كأس العالم بشرف، كسبتم مجموعة متجانسة، خسرتم مباراة ربع النهائي لكن ربحتم قلوب كل المغاربة، ونلتم لقب «أسود كرة القاعة» عن جدارة واستحقاق، في الوقت الذي كانت فيه منتخبات سابقة تدخل المنافسات وتغادرها دون أن نشعر بعبورها الصامت.
لقد انتهت صلاحية مقولة عمرت طويلا في الوسط الرياضي، «المهم هي المشاركة»، لم يعد مسموحا للرياضيين المغاربة بتأثيث الملتقيات العالمية، واستكمال النصاب القانوني للتظاهرات، لم نعد من أوائل المغادرين بعد أن سلمنا المشعل لدول جديدة كجزر سليمان والجبل الأسود وسلوفينيا ودول ناشئة لم يكن لها وجود في مناهج التاريخ والجغرافيا.
في زمن الدبلوماسية الرياضية، أضحى من يتهاون ويتمنى الخسارة في مباراة كمن ينشد الخسارة في معركة، ومن لا يبلل قميصه بالعرق ويتراخى في الدفاع عن مرمى المنتخب كمن يتواطؤ ضد قضية وطنه. لهذا كان تعيين مدرب حاصل على الإجازة في العلوم السياسية على رأس المنتخب المغربي ضربة معلم.
من المفارقات الغريبة أن يهتم القنيطريون بمنتخب يستخلص أغلب لاعبيه ومؤطريه عقود الولادة من بلدية القنيطرة، ولا يعيرون اهتماما لحدث سياسي في مدينة «بور ليوطي»، يتعلق بتغيير اضطراري في ملعب الشأن المحلي، حيث تم إخراج عبد العزيز رباح من البلدية مكسور الوجدان وسط عاصفة من الاحتجاج كلاعب أهدر ضربة جزاء حاسمة، وتعويضه بأنس البوعناني الرئيس السابق للنادي القنيطري، يا لمكر الصدف.
رقص القنيطريون على أنغام «الهيت» مرتين، حين شيعوا الرئيس السابق خارج مربع عمليات البلدية، وعندما وقف المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة الند للند في وجه زعماء الكرة العالمية وسحرتها البرازيليين. اليوم تداوي «بور ليوطي» أحزانها بالكرة وتفرغ شحنات غضبها في مصب نهر سبو، وكلما ضاق الحال بشبابها يركضون خلف الكرة المصغرة.
لكن الصدف الماكرة دائما، شاءت أن تذكرنا باتفاقية توأمة بين النادي القنيطري لكرة القدم، «المكبرة»، ونادي سانطوس البرازيلي، بين عازفي السامبا الحقيقيين وراقصي الهيت الغرباوي، بين قوم يتغنون بغابات الأمازون وقوم يعشقون غابات المعمورة، ويتساءلون عن سر قلقها «مال الغابة مقلقة».
حين تزامن المونديال مع الانتخابات نصحنا اللاعبين بوضع هواتفهم خارج التغطية السياسية، قلنا لهم لا تنشغلوا بتشكيلة الحكومية الجديدة ولا تضيعوا وقتكم في البحث في سير عناصرها، والتمسنا من رئيس البعثة والطاقم التقني صرف النظر عن حامل الحقيبة الرياضية المنتظر، قلنا لهم رجاء لا تشغلوا البال بالتحالفات ولا تندهشوا من تحالف أعداء الأمس وتفرق أصدقاء البارحة، ركزوا على ثغرات خصومكم صبوا جام غضبكم الرياضي في شباكهم، واعلموا أن انتصارا في المونديال يجعلنا نبتلع خسائرنا ونضمد جراح نكباتنا ونخرج للشارع العام ضدا على قوانين الطوارئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى