الرأي

تكوين أطر التربية

المصطفى مورادي
ملف تكوين الأطر، تحديدا، من الملفات العجائبية في قطاع التربية الوطنية. ففي الوقت الذي تتجه الدولة بكاملها في اتجاه ترسيخ الجهوية في تدبير الشأن العام، مايزال مركز واحد في العاصمة يكون المفتشين، وآخر لتكوين الموجهين والمخططين، وذلك على الرغم من أن ملف التوجيه والتخطيط تحديدا يحظى بأولوية الآن، لارتباطه بتوجه الدولة لتجديد النظر للتكوين المهني. وهذان المركزان يسيطر عليهما أشخاص بعينهم، يقررون فعليا سياسة التكوين وعدد المتدربين، بدليل العدد الهائل من المناصب التي يتم إرجاعها أثناء كل مباراة لولوج هذين المركزين باسم «انعدام الكفاءة» لدى المرشحين، مع أن الحقيقة هي أن كفاءة هؤلاء هي التي ينبغي أن تكون موضوع مساءلة. فللحؤول دون فتح المركزين أمام أطر جديدة، تلجأ «الطغمة» المسيطرة على المركزين إلى هذه «الحيلة»، لإبقاء الوضع كما هو. إن الحاجة لأطر جديدة في هيئتي التفتيش والتخطيط والتوجيه تفترض منظورا جديدا يطوي صفحة المركز الوحيد، إذ لا شيء يمنع من تأسيس مراكز جهوية لتكوين الموجهين والمخططين والمفتشين، ولم لا تعديل مرسوم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين وإضافة مسلكي تكوين المفتشين والموجهين والمخططين داخلها، إلى جانب مسالك تكوين المبرزين والمدرسين والمتصرفين التربويين الموجودة حاليا.
الوجه العجائبي لتكوين الأطر يتمثل في كون وزارة التربية الوطنية هي الوزارة الوحيدة التي تُكوِّن آلاف الأطر سنويا دون أن تكون في هيكلتها إدارة مركزية قائمة بذاتها لتكوين الأطر. والمفارقة هي أن وزارات لا يتعدى عدد الأطر التي تكونها سنويا بضع مئات، ومع ذلك تضم في هيكلتها مديريات مركزية مختصة في تكوين الأطر، أما في وزارة التربية الوطنية، فإن هناك وحدة مركزية هجينة، لا هي بقسم ولا هي بمديرية مركزية، يديرها مدير بـ»التكليف» منذ سنوات. وبسبب هذا التهميش الإداري، وصلت هذه الوحدة المركزية إلى نفق مغلق، لأن العلاقة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين أضحت «شخصية».
فمن جهة، نحن أمام مدير مركزي «انطوائي»، يُفكر ويُخطط ويُدبر لوحده، ومن جهة أخرى هناك مسؤولون مركزيون وجهويون، ينظرون لمراكز تكوين الأطر كمؤسسات منافسة. والعجيب هنا، هو أن وضعية المراكز في البنية الإدارية العامة للوزارة، دفع عشرات الأطر التربوية العاملة بها إلى مغادرتها نحو الجامعة، وهي خسارة كبرى. فبسبب غموض الآفاق المهنية لعشرات دكاترة المراكز الجهوية، أضحى هؤلاء يبحثون عن آفاق أخرى داخل الجامعات، وهو الأمر الذي حول شعبا ومسالك كثيرة إلى أطلال. مع أن المطلوب هو القليل من الانسجام مع الذات، بحيث يتم تعزيز البنية التربوية والإدارية للمراكز بالمزيد من الأطر، لتحقيق هدف تجويد تكوين الأطر.
إن وضعية المراكز الجهوية هي أشبه بوضعية «الأيتام في مآدب اللئام»، فلا هي تابعة لمديرية مركزية واضحة، ولا هي تابعة للجامعات ولا هي مؤسسات للتعليم العالي غير تابعة للجامعات. ففي كل مرة يتم التفكير في وضعيتها، لتكون هويتها واضحة، فإن «مسامر» الميدة في بعض المديريات المركزية، تخرج عن واجب التحفظ ليبقى الغموض هو سيد الموقف.. والنتيجة هي هذه المؤسسات الهجينة التي لا هوية لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى