
يونس جنوحي
مغاربة الداخل الذين حاولوا إحياء «أجواء» عيد الأضحى واختاروا الحصول على مستلزمات الشواء من السوق السوداء، لا يختلفون في شيء عن مغاربة الخارج الذين وقع بعضهم ضحايا مخالفة القوانين المعمول بها، إلى حد أن بعض الفعاليات المدنية في الدول الإسكندنافية دعت بشكل صريح إلى تشديد القوانين ومنع المسلمين من استهلاك بعض أطراف الأضاحي، أو الذبح خارج المراكز الخاضعة لمراقبة السلطات.
ورغم أن أكل اللحوم مظهر احتفالي لدى أجناس وأعراق العالم، إلا أن استهلاك الأغنام يصبح «فجأة» سلوكا «لا حضاريا»، في نظر بعض المعارضين لإحياء المسلمين لشعائرهم الدينية.
في المغرب، تسبب «التهافت» – وليسمح لنا الغزالي وابن رشد على استعارة العنوان- في جعل أسعار بعض أجزاء الأضاحي تصل إلى أسعار صاروخية غير مسبوقة في تاريخ بلادنا.
وحسب المهنيين، فإن الأسعار مرشحة للانخفاض بقوة، بمجرد انتهاء الطلب على الكبد.
لماذا لم تتدخل جمعيات حماية المستهلك، أو التنظيمات المهنية المعنية لتنظيم البيع، وهي تدرك جيدا أن الطلب سيرتفع، بحكم أن المغاربة لن ينحروا الأضاحي هذا العام؟
قرار منع الأضاحي خارج المراكز المرخص لها، يحمي المستهلك في نهاية المطاف، بغض النظر عن ظرفية إحياء شعيرة عيد الأضحى، خصوصا وأننا رأينا كيف أن السلطات قد اكتشفت «فجأة»، وجود عظام حمير تخلص منها من باعوا لحومها إلى المغاربة. ماذا كان يتوقع المسؤولون؟
ارتفاع الأسعار وتزايد الطلب، يغريان أصحاب الرغبة في الربح السريع، وهؤلاء مستعدون لبيع أي كائن يمكن سلخ جلده عن لحمه، وإقناع المغاربة بأنه لحم غنم تجتمع حوله العائلات.
ليست هذه المرة الأولى التي أهابت فيها الدولة بعدم ذبح الأضاحي، حفاظا على قطعان الماشية. لكن يبدو واضحا أن أشياء كثيرة تغيرت لدى المغاربة. ليس فقط ما يتعلق بالعادات الاستهلاكية الغذائية، وإنما أيضا في تزايد منسوب الأنانية والبحث عن الحلول الفردية، وترك الآخرين ليضربوا «عرض» الحائط.
كيف يمكن إقناع مواطن مغربي دفع مبلغ 700 درهم للحصول على كبد الغنم، بالمساهمة في المبادرات الجماعية التي يُرجى منها تدبير مستقبل الآخرين؟
وهذا طبعا دون الإشارة إلى أعداد المخالفين الذين أصروا على ذبح الأضاحي، رغم الظروف الاقتصادية العصيبة التي تمر بها العائلات المغربية. ولم يجدوا حرجا في استفزاز مشاعر الملتزمين باحترام القرار الرسمي.
ما وقع هذا العيد، يصلح فعلا أن يكون مادة للدراسة الاجتماعية. وعلى طلبة علم الاجتماع أن يشحذوا أقلامهم ومفكراتهم، للغوص في أحياء وأزقة مدن وقرى المغرب وتشريح هذا الواقع المغربي الجديد.
كان المغاربة قلقين في ما مضى بشأن جودة لحوم بعض الأضاحي، التي يبيعها المتطفلون على ميدان تربية المواشي. أكباش محقونة بالحبوب المهلوسة والمواد المغشوشة، التي تجعل الأغنام تبدو «منفوخة»، وبمجرد ما أن تُنحر صباح العيد، حتى تظهر عليها زرقة غير عادية ورائحة كريهة. لكن اليوم، يظهر أن هناك أمورا أخرى يجب أن يقلق المغاربة بشأنها في المستقبل.
لقد ظهر بالواضح أن إحياء الشعيرة الدينية لا علاقة له بالعادة والطريقة التي يستهلك بها المغاربة لحوم الأضاحي، صباح عيد الأضحى. حتى أن هناك من ذبحوا الأضاحي أسبوعا قبل صباح العيد.. وهؤلاء لم يسبقوا العيد «بليلة» فقط، بل حاولوا العيش خارج بلد بأكمله، ولم يستيقظوا من غفوتهم، إلا عندما تحول فحم «المجمر» إلى رماد.





