شوف تشوف

الرأي

«داعش» في انتخابات الأسد

فاطمة ياسين

أعلنت الولايات المتحدة، في 27 أكتوبر 2019، أنها قتلت زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أبو بكر البغدادي، وأكد التنظيم الخبر بتعيين إبراهيم الهاشمي القرشي خليفة له. وكان التنظيم قد انحسر بصورة كبيرة، وتراجعت أخباره إلى الصفحات الداخلية في الصحف، بعد أن كان يحتل ثلث سوريا وربع العراق، ويتحكم في نصف مجرى نهر الفرات المار بسوريا والعراق. ووصل انحسار التنظيم إلى درجة إعلان الرئيس دونالد ترامب، في نهاية العام 2018، عن الانتصار عليه عبر «تويتر» بقوله: «لقد هزمنا التنظيم في سوريا، وهذا كان مبرر وجود القوات الأمريكية هناك». أراد حينها ترامب سحب قواته، ولكن الأمر لم يخرج عن نطاق «تغريدته»، فبقيت القوات الأمريكية مكانها.
منذ بداية 2014، انتشر تنظيم داعش بشكل ملحوظ في المنطقة، وأصبح قوة كبيرة ومسيطرة على مناطق ارتخت فيها قوة الأنظمة، سواء في العراق أو سوريا، وتحولت عناصره، في لحظة مناسبة، من مجموعة خلايا مترقبة ويقظة إلى جيش منظم وقوي ملأ الفراغات، مستغلا الفجوات الأمنية التي تركت عن قصد، أو من دون قصد. وأوجد التنظيم قواعد فكرية وعسكرية له في المنطقة، ساعده في ذلك تراجع القوات النظامية عن أماكن وجودها بسرعة مريبة، فقد خسر النظام أراضيه في المنطقة الشرقية، وتكبد خلال معاركه القصيرة مع التنظيم خسائر بشرية مهولة، وتضخمت صورة تنظيم الدولة إعلاميا، وتراجعت أخبار النظام لصالح رصد تحركات «داعش»، ومتابعة المقاطع المصورة لجرائمه، حتى غدت مواجهته معركة ملحة حشدت لأجلها الولايات المتحدة تحالفا عسكريا عريضا.
كان النظام وحلفاؤه خلال هذه المدة يبنون مواقعهم ببطء في ما يسمى سوريا المفيدة، بعد أن تم تسليم غير المفيد منها لتنظيم الدولة الإسلامية، لتتحول إلى ساحة معارك، اشترك فيها المجتمع الدولي والكرد وتركيا ضد «الدولة الإسلامية»، حتى وصلنا إلى لحظة خُيل للجميع فيها أن الانتصار على التنظيم قد أنجز. التنظيم الذي قُتل خليفته قبل أكثر من سنة، ارتفع رأسه من جديد، وعادت عملياته في شهر دجنبر الماضي لتظهر بقوة في عناوين الأخبار الأولى، فمنذ الثلاثين منه شن التنظيم ثلاث هجمات منفصلة وفي مواقع متعددة، قتل فيها 59 عنصرا من جنود النظام والميليشيات التابعة له في سوريا، ثم قتل ثلاثة جنود في كمين قبل أسبوع، وسجل خطف مسؤولين في المنطقة الكردية وقتلهم في التوقيت ذاته، كل هذه العمليات تحمل توقيع التنظيم، بما يظهر ملامح عودة «داعش».
فسر بعضهم الظهور الأخير النشط لتنظيم الدولة الإسلامية بأنه رسائل إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، أو تعبير عن رخاوة قبضتها على المنطقة. قد يكون هذا التفسير صحيحا جزئيا، ولكن الحدث الملح الآن، ويكاد أن يكون العنوان السياسي الأهم، هو معركة بشار الأسد الجديدة مع الانتخابات، فقد مرت سبع سنوات أخرى على مدة رئاسته، وبات، بحسب الدستور، رئيسا منتهي الولاية، وعليه التجديد. ولطالما كانت هذه العملية صورية في تاريخ سوريا الممتد خمسة عقود إلى الوراء، ولكن لا بد لرأس النظام الآن من أن يخضع إلى عمليات تجميل عميقة، تجعله مقبولا في الأسواق الدولية. والتجميل يمكن أن يتم بوضع بعض الدمى في مواكبة انتخابية لشخص بشار، ولكن الرجل الذي أراد طوال العشر سنين الماضية أن يترافق اسمه مع عنوان مكافحة الإرهاب، بدل قمع الثورة، يرغب في أن يستمر كذلك، فجاءت حوادث قتل الجنود المتلاحقة والمتقاربة، واقترن اسم تنظيم الدولة الإسلامية بتنفيذها، وذلك تذكيرا بالتنظيم المفزع الذي يقول، عبر عملياته، إنه جاهز، ويمكنه العودة في أية لحظة! ليس هذا التوقيت عارضا، وربما لم يتم الاتفاق عليه، ولكنه تزامن ملفت، يمكن أن يكسب الرجل المتمسك بالسلطة في سوريا نقاطا قد تنفعه في معركته للبقاء أطول أمد ممكن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى