شوف تشوف

الرأي

شيك بدون مؤونة

حسن البصري

حين كان منخرطو الرجاء الرياضي يتوافدون على الفندق الذي يحتضن الجمع العام الانتخابي للنادي، تسلل رجل أربعيني إلى البهو، بالرغم من الإجراءات الاحترازية المشددة. ظل تائها وسط أناس يرتدون زي الانتخاب. كان يبحث عن رئيس سابق للرجاء، وسط عشرات المنخرطين والمسؤولين والحكماء والمخبرين، وكلما استفسر منخرطا منشغلا بحساب التوقعات، قيل له إن المناصب السياسية التي راكمها بعد الانتخابات لا تسمح له بالحضور المبكر لجمع عام. حتى أقرب المقربين منه أجمعوا على أن أعراض الوجاهة ظهرت على محيا الرئيس المخلوع، وأضحى آخر الملتحقين بملتقيات الكرة.
تبين أن الرجل يبحث عن رئيس عابر للجماعات، وقد تصبب جسده عرقا وسط زحمة أناس يتكلمون لغة أخرى غير لغته. وحين يئس من البحث، أعلن اللجوء الإعلامي إلى منبر صحافي، وكشف للرأي العام عن سر وجوده بين «لكوايرية». قال الرجل بنبرة حزينة:
«لست منخرطا في الرجاء ولا ممثلا للسلطة ولا الشبيبة والرياضة ولا العصبة، أنا صاحب مطبعة، جئت أبحث عن رئيس سابق للرجاء تعامل معي خلال الانتخابات، وتكلفت بطبع منشوراته ولافتاته الدعائية، وحين انتهت الانتخابات وفاز بالمقعد البرلماني والجماعي سلمني كمبيالات بدون رصيد، ثم أغلق هاتفه وصد جميع مكالماتي».
في كثير من الجموع العامة للفرق المغربية، يرابط أمام الفنادق باعة الملابس الرياضية وممونو الحفلات وأصحاب المصبنات وأرباب الفنادق وملاكو وكالات تأجير السيارات، ولاعبون يئسوا من رحمة غرفة النزاعات، يتأبطون شيكات وكمبيالات مؤجلة الدفع وهم يبحثون عن آخر فرص التسوية.
اضطر صاحب وكالة أسفار إلى أداء واجب الانخراط، ليحمل صفة منخرط، ويتمكن من ولوج قاعة الجمع العام كي يتناول الكلمة، ويسأل أمين المال عن مصير فواتير معطلة الدفع. وحين اشتد اللغط داخل القاعة، أشهر الرئيس في وجهه بطاقة التنافي، وضرب بقبضة يده على الطاولة وهو يصيح: «أنت منخرط لا يصح لك إجراء معاملات مالية مع الفريق».
جمع الرجل ملفه المثقل بالإشعارات وغادر قاعة الجمع من الباب الخلفي، وهو لا يفرق بين منخرط ورئيس، فجميع البذل والكرافتات متشابهة. هدد بتجميد الجموع بعدما نجح في تجميد الحساب البنكي، وملاحقة رئيس ابتلي بتغيير أرقام الهواتف.
حاول أحد المسيرين تهدئته وهمس في أذنه منخرط بتبني المثل الشعبي المحبط للعزائم «تمسكن حتى تمكن»، الذي رواه لئيم، لكن الأرض ابتلعت الرجل قبل أن يصبح نقطة في جدول أعمال الجمع.
غير بعيد عن المدخل الرئيسي، يرابط مفوضون قضائيون قيل لهم إن الأزمة قد ولت إلى غير رجعة فصدقوا ملايير صفقات تصدير اللاعبين، لكن في زمن الوباء الذي ضرب الكرة العالمية، أضحى المفوض القضائي نجما من نجوم الكرة بحضوره المتكرر في مقرات الأندية المغربية وفنادق الجموع العامة، وفي الحصص التدريبية اليومية للفرق، وهو يتأبط وثائق المعاينة، حتى اعتقد أحد المدربين أن المفوض مدرب احتياطي يتردد على حصته التدريبية من أجل السطو على منصبه.
في ظل الأزمة المالية التي تضرب الكرة المغربية، استحق الكوكب المراكشي لقب النادي الأكثر ترشيدا للنفقات، فمع ارتفاع تكلفة تنظيم الندوات الصحفية والجموع الاستثنائية، قرر مسؤولو النادي أن يقوم «المعازيم» بدفع ثمن المشروبات التي يتناولونها من شاي أو قهوة وحلويات، تفعيلا لمبدأ «ادفع تشبع».
من حسنات الوضعية الوبائية عند رؤساء الفرق، حصولهم على تسهيلات في تقديم الحساب الأدبي والمالي، حتى الذين عقدوا جموعهم العامة في زمن كورونا عن بعد وصادقوا على الأرقام الفلكية عن بعد وجددوا الثقة في أنفسهم عن بعد، لا ينكرون فضل الوباء عليهم، فشكرا لتقنية «زووم» التي جنبتهم الأسئلة الحارقة وصدت عنهم فيالق الصحافة.
الحكامة والصدق والحب والديمقراطية شيكات بدون رصيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى