
مرت أزيد من ثماني وستين سنة على بناء طريق الوحدة، هذا المشروع الوطني الذي جسد مضامين الخطاب الذي أعلن فيه الملك محمد الخامس دخول مرحلة الجهاد الأكبر، مباشرة بعد عودته من المنفى.
من المفارقات العجيبة في طريق الوحدة أن لها عدة تقاطعات مع المسيرة الخضراء، بغض النظر عن اختلاف الفترة الزمنية، إذ أن مشروع طريق الوحدة اعتمد على سواعد شباب تسكنهم الروح التطوعية، على غرار المسيرة الخضراء التي جسدتها أقدام متطوعين مغاربة انخرطوا في المشروع بروح تطوعية نادرة.
فـي 15 يونيـو 1957، وجه الملك محمد الخامس، من مدينة مراكش، نداء ساميا إلى الشباب المغربي «لاستنهاض الهمم وإذكاء العزائم من أجل التطوع في إنجاز مشروع وطني كبير يهدف إلى ربط شمال الوطن بجنوبه».
ومن المدينة نفسها، وجه الملك الحسن الثاني خطابا لشعبه يعلن فيه انطلاق المسيرة الخضراء نحو الصحراء، بغاية ربط شمال المغرب بجنوبه، على غرار مشروع طريق الوحدة الذي يخترق ما كان في الحقبة الاستعمارية حدا فاصلا بين جزأي الوطن الموحد.
بعد ثلاثة أشهر من العمل والتشييد، لإنجاز هذا المشروع الوطني، ألقى الملك محمد الخامس خطابا في حفل استعراض المتطوعين قال فيه: «لقد تكللت أعمالكم ولله الحمد بالنجاح وبرزت للعيان نتائج جهودكم، وأشهدتم العالم على أن أبناء المغرب إذا تحملوا مسؤولية قاموا بها خير قيام».
الحماس نفسه تملك الحسن الثاني وهو يدعو، في خطاب ملكي، إلى وقف التوغل وعودة المتطوعين إلى مدنهم وقراهم، بعد بلوغ الأهداف المرجوة من المسيرة.
شارك في المشروع الوحدوي الأول بشكل تطوعي ولي العهد مولاي الحسن، وهي رسالة للشباب المغربي كي يفهم المغزى الحقيقي من هذه الطريق، والذي يتجاوز فك العزلة عن مناطق جبلية، إلى الاعتماد على الطاقات الشابة للبلاد في بناء صرح الوطن.
في الملف الأسبوعي لـ«الأخبار» نعيد ترتيب تفاصيل مشروع استنفر آلاف سواعد الشباب المغربي.
بن بركة: نحن نبني الطريق والطريق تبنينا
في صيف سنة 1957، تقرر تنزيل فكرة طريق الوحدة التي اقترحها المهدي بن بركة، العقل المدبر لحزب الاستقلال، على الملك محمد الخامس، وصنفها في خانة الجهاد الأكبر الذي نادى به بطل التحرير حين أعلن انتقال المغرب من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
تفاعل الشباب المغربي مع الفكرة، التي لا تخلو من أبعاد إيديولوجية، إذ فاق عدد طلبات التطوع 50 ألف طلب سيتم قبول 11 ألف منها فقط، وهو دليل على التجاوب الكبير مع نداء بناء مغرب جديد بسواعد مغربية.
كان المهدي بن بركة يفكر في المشروع الوحدوي، ويؤمن بأن الغاية منه ليست بناء معبر طرقي قد يتآكل مع مرور الزمن، لكن الهدف هو زرع قيم المواطنة وتلقيح الطاقات الشابة بلقاح المواطنة، فحملوا لقب «بناة الوطن». وظل يردد لازمته: «نحن نبني الطريق وهي تبنينا».
شاركت في مشروع طريق الوحدة، سنة 1957، فرقة من الجنود في الجيش الملكي، عملت على توزيع المؤونة وتنظيم الأشغال، بينما أشرف ولي العهد، الأمير مولاي الحسن، بنفسه على سير أشغال طريق طولها 80 كيلومترا، وتربط بين تاونات وكتامة، ترمز إلى توحيد شمال المغرب الذي كانت تحتله إسبانيا، مع بقية المناطق التي كانت تحتلها فرنسا، ومن هنا نال المشروع اسم «طريق الوحدة».
«تكلف المهدي بن بركة بمرافقة الملك محمد الخامس في جولة تفقدية لكي يقف بنفسه رحمه الله على الأشغال، وسمعت المهدي بن بركة يشتكي للملك الراحل ويخبره أن العمال والمتطوعين يعانون من نقص فظيع في المؤونة والطعام ويتضورون جوعا. طلبت أن يأذن لي الملك بالحديث، وقلت لجلالته إن هؤلاء الناس، في إشارة إلى المهدي، يكذبون عليك يا جلالة الملك. واستدرت في اتجاه الجنود، وطلبت منهم أن يحفروا الأرض، فرأى جلالته رحمه الله بعينيه المؤونة قد دفنت في حفرة لإخفاء كميات هائلة من اللحوم والخضروات دفنت تحت التراب. فاستنكر رحمه الله ذلك التصرف»، يقول أحد قادة جيش التحرير.
الحيحي.. معلم ارتبط اسمه بجائزة التطوع
ولد محمد الحيحي سنة 1928 بحي المشور بتواركة بمدينة الرباط، وتتلمذ على يد كبار مشايخ عصره وعلى رأسهم شيخ الإسلام مولاي العربي العلوى. في سنة 1940 التحق بثانوية مولاي يوسف بالرباط التي طرد منها سنة 1944 بسبب مشاركته فى انتفاضة التلاميذ في أعقاب تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال خلال السنة ذاتها. وفي سنة 1947 انخرط محمد الحيحي في سلك التعليم الوطني الحر حيث بادر الى جعل المؤسسة التعليمية تندمج في محيطها الاجتماعي.
أثناء عملية التحضير لورش طريق الوحدة، أسند له المهدى بن بركة مسؤولية تأهيل وتأطير الشباب لإعدادهم لمواجهة تحديات بناء المغرب الجديد، علما أن الزعيم السياسي كان قد تعرف على الحيحي في غمرة التظاهرات المناوئة للنظام الاستعماري، واختاره لقيادة فرقة من الشبيبة الاستقلالية سنة 1950، ومنذ ذلك التاريخ أصبح مسؤولا عن تأهيل الشباب وتكوينهم. وأشرف سنة 1948 على أول تدريب ينظم باللغة العربية لفائدة الأطر التربوية ضمن التداريب البيداغوجية التي كانت تنظمها إدارة الحماية الفرنسية لفائدة أطر ومدربي المخيمات الصيفية.
مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال ساهم محمد الحيحي رفقة المقاوم عبد السلام بناني في تأسيس جمعية «لاميج» وتولى كتابتها العامة وذلك قبل أن يلتحق سنة 1957 بوزارة الشبيبة والرياضة التي تولى فيها المسؤولية نائبا لرئيس قسم الشباب والطفولة.
وحسب الكاتب محمد الحافظ، فإنه خلال السنة ذاتها تولى الحيحي مسؤوليات في مشروع طريق الوحدة بتوجيه من المهدى بن بركة، «أسندت له مهام الكتابة الإدارية والإشراف على متابعة الدراسات وإعداد الملفات الخاصة بالمتطوعين المرشحين للمشاركة في طريق الوحدة المشروع الوطني الشبابي الكبير. وفى سنة 1958 أسس محمد الحيحي من قدماء متطوعي مشروع طريق الوحدة جمعية أطلق عليها اسم «بناة الاستقلال». فضلا عن ذلك يرجع للحيحي كذلك الفضل في التأسيس لتجربة أوراش الشباب، خاصة منها عمليات التشجير التطوعية للشباب التي ساهمت في إحداث غابات في كل من مناطق بوقنادل، شمال مدينة سلا، وبوسكورة جنوب الدار البيضاء والهرهورة بعمالة تمارة».
توفي محمد الحيحي في 11 شتنبر 1998 بعد مسيرة حافلة من العطاء في العمل الجمعوي والتطوعي. وسبق للفقيد أن ترأس الجمعية المغربية لتربية الشبيبة والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، واشتغل في ميادين التربية والشباب والطفولة.
واعترافا بجهوده تم تخصيص جائزة محمد الحيحي للتطوع، التي تم تأسيسها سنة 2010، وترمي إلى تشجيع العمل التطوعي وإعادة الاعتبار للأدوار الطلائعية لرواده ورموزه، والتحسيس بالقيم النبيلة للتطوع ودعم العمل الجماعي من أجل المصلحة العامة وإشاعة ثقافة الاعتراف وتكريس روح المواطنة خاصة لدى فئات الشباب.
الركراكي.. فقيه الملك ناشر الوعظ والتقوى بورش الوحدة
كان محمد الركراكي أكثر من فقيه للملكين محمد الخامس والحسن الثاني، بل مستشارهما وهو من ساهم في استوزار العديد من الأسماء، أبرزهم أحمد رضا كديرة، إذ تعرف هذا الأخير على ولي العهد يومئذ في مدينة إفران بواسطة الفقيه، وتطورت علاقته بولي العهد إلى صداقة قوية كانت بابه الأوسع لعالم السياسة والمناصب الحكومية، حيث سيتولى مناصب كثيرة ومتعددة، فكان وزير الدولة المسؤول عن المفاوضات المغربية- الفرنسية في أول حكومة في مغرب ما بعد الاستقلال، ووزيرا للدفاع الوطني في عهد الملك محمد الخامس، ثم وزيرا للإعلام في حكومة بلافريج، ووزيرا للخارجية في حكومة باحنيني، علما أنه جمع بين وزارتي الداخلية والفلاحة وغيرها من المناصب، وكان أعلاها تعيينه مستشارا للملك الحسن الثاني.
شارك الركراكي في طريق الوحدة بروح تطوعية عالية وكان يقدم للمشاركين دروسا في الوعظ والإرشاد ويحثهم على اتباع الشعائر الدينية، وكان حضوره لافتا في جمعة انطلاق الورش حيث شارك في صلاة الجمعة التي أقيمت في نقطة البداية.
في يوم تدشين الورش، ارتجل الملك محمد الخامس كلمة أمام وعاظ الورش، وأوصى بالاتحاد وأكد أن المملكة المغربية هي معقل الوعي الإسلامي الأصيل، «إن ديننا الحنيف قد حض على الطاعة والنظام ضمن العدل، وحث على السكينة واحترام حريات الأفراد، ورعى مصالح الجماعات. فاتحدوا ولا تتخاذلوا واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا». وحث الملك وعاظ الورش على إشراك سكان المناطق في كل العمليات التطوعية وعدم إقصائهم من حصص الوعظ والإرشاد.
كان الفقيه الركراكي أول أستاذ للتعليم الديني للأمير المولى الحسن، سيرا على العادة المغربية التقليدية في تعليم الأبناء، على يد فقيه انتقي بعناية، مبادئ اللغة العربية، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، ومبادئ أولية في الفقه. يذكر الملك الحسن الثاني، في «ذاكرة ملك»، أنه تلقى ضربات بالعصا في «المسيد»، على غرار كافة الأطفال المغاربة الذين مروا من هذه المرحلة، وأكد أنه كان يسعده أن يتلقى تلك الضربات من والده لا غيره. ولأن محمد الخامس كان يسعى إلى أن ينال أبناؤه مستوى تعليميا عاليا لم يحظ به شخصيا، حرص على أن يتلقوا تكوينا مزدوجا منذ البداية.
بناني.. من السجن إلى تدبير النشاط الرياضي بالمخيم
ولد عبد السلام بناني في العاشر من أبريل سنة 1917 بفاس، تابع دراسته الابتدائية فيها، وانتقل إلى الرباط لينضم إلى المدرسة الثانوية مولاي ادريس في الفترة ما بين 1931 و1933. في هذه المؤسسة انخرط في الحركة الوطنية، ودشن عمله النضالي بالمشاركة في المظاهرة ضد الظهير البربري وحكم عليه بشهر واحد سجنا.
عاش عبد السلام بناني جزءا كبيرا من حياته في سجون الاحتلال الفرنسي، ففي سنة 1953 أصدرت محكمة الباشا بالدار البيضاء حكمها عليه بالسجن لتسعة أشهر، وفي سنة 1954 أصدرت المحكمة العسكرية حكمها عليه بـ20 سنة نفيا بتهمة المشاركة في نقل السلاح من فرنسا إلى المغرب، وحين حصل المغرب على الاستقلال كان عبد السلام في السجن المركزي بالقنيطرة، حيث شاهد يوم 16 نونبر 1955 من ساحة السجن الطائرة التي كانت تقل الملك محمد الخامس عائدا إلى وطنه بعد انتهاء فترة النفي.
يقول عبد السلام بناني في كتابه «الأب الهادئ»: «جاء رئيس الحراس وطلب مني أن أرافقه عاجلا إلى مكتب رئيس السجن، وحين وصلت إليه وجدت نفسي أمام جلالة الملك محمد الخامس، وكان مصحوبا بالسيدين محمد لغزاوي والمحجوبي أحرضان عامل الرباط، وحين دخلت سلم علي جلالته وأشار إلي بأنه تتبع محاكماتي من مدغشقر، وأثني عليه وطلب منه شرح حالة المساجين».
رغم النوبات القلبية التي كانت تنتابه بين الفينة والأخرى إلا أن عبد السلام أصر على المشاركة في بناء طريق الوحدة، يقول صهره أبو بكر اجضاهيم: «إن الأطباء والممرضين الذين ترددوا على الورش كانوا يزورونه باستمرار في خيمته، ويعاتبونه على إجهاد نفسه وإصراره على السهر إلى ساعات متأخرة من الليل».
كان مسيرا سابقا بالوداد الرياضي في الأربعينات، وشغل منصب نائب كاتب عام بالنادي أواسط الأربعينات، ومن بين مؤسسي الاتحاد البيضاوي (الطاس)، وواحدا من مؤسسي العصبة الحرة لكرة القدم سنة 1946، ومبدع فكرة كأس العرش، وهو من نقل فكرة تنظيم هذه المسابقة بعد استقلال المغرب، وكانت أول مسابقة تنظمها الجامعة الملكية لكرة القدم سنة 1956. كل هذه المناصب الرياضية خولته تدبير المسابقات الرياضية التي عرفها مخيم الوحدة، حيث نظم دوريات في كرة القدم أشرك فيها شباب المنطقة خاصة أولئك الذين يتعرفون على اللعبة لأول مرة.
الفلوس.. التقى الملوك الثلاثة في أوراش وطنية
يعتبر عبد الكريم الفلوس واحدا من رواد الكشفية المغربية الأوائل في المغرب، فقد حرص منذ طفولته على الانخراط في قطاع كان يشكل فسحة للتوعية والتثقيف، سيما في ظل وجود هيمنة على الحركة الكشفية من طرف المستعمر الفرنسي الذي كان يخشى أن تتحول إلى مدرسة لإنجاب قيادات معارضة لنظام الحماية.
انخرط مبكرا في حزب الاستقلال وأصبح ذراعه الشبابي في ما يشبه الشبيبة الاستقلالية، واقترب أكثر من رموز المقاومة خاصة محمد الزرقطوني، بل إنه استطاع استقطاب كثير من المقاومين للحركة الكشفية.
كشف عبد الكريم عن مؤهلاته خلال الإعداد لمشروع طريق الوحدة، وانضم لخلية التنظيم التي اتخذت من قرية إيكاون مقرا لها، هناك كتب له أن يلتقي بالملك محمد الخامس في الخامس من يوليوز 1957 وقدم له عرضا حول البعد الوطني لمشروع طريق الوحدة، ورافقه في رحلة تفقدية بمختلف مخيمات المشروع.
كان المهدي شعلة من الذكاء ومثالا يحتذى بالنسبة إلى الشباب المغربي والاستقلالي على الخصوص، وهناك من يؤكد أنه مبدع فكرة طريق الوحدة وأن عبد الكريم الفلوس، الكاتب العام للشبيبة الاستقلالية، كان من أهم الأطر المنظمة له.
التقى عبد الكريم مباشرة بالحسن الثاني وهو حينها ولي للعهد، وتبين لهذا الأخير أن الكشفية مدرسة حقيقية استحقت أن تحمل اسمه. وخلال المؤتمر الكشفي العربي الخامس، الذي أقيم بالمغرب سنة 1962، اختير الفلوس عضوا باللجنة الكشفية العربية إلى غاية 1964 وكان له جهده المشكور في إثراء أعمال هذه اللجنة. وفي عام 1980 منحته الهيئة الكشفية العربية قلادة الكشاف العربي نظرا لجهوده البارزة على المستويين العربي والمحلي.
خلال هذه المحطات التقى عبد الكريم بالملوك الثلاثة، مع محمد الخامس في فترة الإعداد وأثناء تنفيذ ورش طريق الوحدة، وفي الورش مع الحسن الثاني الذي كان وليا للعهد، فيما التقى بمحمد السادس وهو لازال طفلا يخطو أولى خطواته في درب الكشفية. وفي كل المحطات يكبر الرجل في عيونهم بفيض طموحه ووطنيته الجارفة، لذا تم تكريمه بإطلاق اسمه على أكبر مركز للكشفية في المغرب.
جلال.. مدرب الرجاء يترأس لجنة التربية الأساسية
كان للكشفية دور كبير في إنجاح مشروع طريق الوحدة، تلقيت الدعوة للمشاركة فالتحقت بخلية التنظيم التي اتخذت من قرية إيكاون مقرا لها، هناك كتب لي أن ألتقي بالملك محمد الخامس، ورافقته في رحلة تفقدية بمختلف مخيمات المشروع. أعطى الملك صباح يوم الجمعة 5 يوليوز 1957، انطلاقة الورش الوطني لطريق الوحدة معاينا على متن سيارة «جيب» معالم الطريق، وأدى جلالته صلاة الجمعة بايكاون. وفي فاتح شهر أكتوبر 1957، كان المغرب على موعد مع الحدث التاريخي المبشر بانتهاء أشغال طريق الوحدة.
قال عبد القادر جلال، الذي كان من أبرز منظمي الورش: «عاش مولاي الحسن وبن بركة أدق تفاصيل ورش طريق الوحدة، لقد لاحظوا أنني أتواجد في أكثر من خلية، رغم أن تعييني الرسمي هو الإشراف على خلية التربية الأساسية، مرة في لجنة التنشيط السينمائي ومرة في لجنة الإعداد البدني ومرة أخرى في المطبخ، فرضوا علي الاشتغال في لجنة السنيما، ولأني رياضي ولعبت في مراكز تطلب لياقة بدنية عالية، باختصار لقد شاركت من ألف إلى ياء الورش، وما أن انتهينا حتى تلقيت تعليمات بالتوجه إلى سيدي إفني رفقة جيش التحرير من أجل تحريرها من المستعمر الإسباني».
شارك في ورش الوحدة عدة رياضيين، أبرزهم ولي العهد مولاي الحسن كان رياضيا، وعبد السلام بناني أحد رجالات العصبة المغربية الحرة لكرة القدم، والرئيس المنتدب للاتحاد البيضاوي، واللاعب الناوي الأصغر ابن مدرسة الرجاء.
«الواجب الوطني فرض علي المشاركة في ورش وطني يربط جنوب المغرب بشماله، لم ينته الورش إلا في أكتوبر، ومباشرة سأتلقى تعليمات بالانضمام لجيش التحرير في مهمة وطنية أخرى، حتى نسيت أنني إطار في الشبيبة والرياضة».
الصقلي.. الشاعر الذي أبدع نشيد طريق الوحدة
تحولت طريق الوحدة إلى أوراش للعمل، مدارس للتكوين يتلقى فيها المتطوعون دروسا تربوية وتدريبات مدنية وعسكرية، تجعل منهم مواطنين صالحين لتحقيق مشاريع عمرانية في مراكز سكناهم، وذلك تنفيذا لفكرة التجنيد والخدمة المدنية لبناء المغرب الحر والمستقل»، كما قال الباحث محمد العبادي.
كان لابد من التفكير في بعض التفاصيل التي تبدو صغيرة لكنها مؤثرة، خاصة نشيد طريق الوحدة الذي سيردده المتطوعون على امتداد فترة بناء هذا المعبر الهام. وخلال الاجتماعات، التي ترأسها المهدي بن بركة، تم اقتراح نشيد «مغربنا وطننا» إلا أن البعض عارضه وطالب بالاكتفاء بالنشيد الوطني، قبل أن يقدم أحد أعضاء اللجنة التحضيرية مقترحا آخر ويعرض نشيدا كتبه الشاعر أبو بكر الصقلي ولحنه، يستحضر الأبعاد التاريخية والدلالات الرمزية لهذا الحدث يروم ترسيخ ما تعبق به هذه الذكرى ومثيلاتها من دروس وعبر وعظات لتظل حية في أذهان الأجيال الجديدة ولتحفيزها على الانخراط في مسيرة البناء والتنمية.
حظي الصقلي بلقاء الملك الذي هنأه على مشاركته الأدبية في الورش، التقدير نفسه تلقاه من قيادة المشروع التنموي وخاصة ولي العهد مولاي الحسن، حيث أجمعا على أن ترديد النشيد يرفع من معنويات المتطوعين الذين كانوا يحفظون كلماته عن ظهر قلب. هذا النشيد في غمرة على طول الطريق وفي ورش عبارة عن مخيمات استوعب كل مخيم 250 متطوعا موزعين على 13 خيمة وتضم كل خيمة 25 سريرا، تسيرهم لجنة تضم التخصصات التربوية والفنية والعسكرية وشؤون التموين والطبخ والمواصلات، كان النشيد مكتوبا بخط جميل ليتمكن كل متطوع من حفظه، وعهد للمؤطر عبد القادر جلال بتلقينه.
تقول كلمات النشيد
هيا بنا إلى العمل
نحن الشباب نحن الشباب نحن الأمل
طريقنا وحدتنا
تخليد عهد الاستقلال
يا شباب يا شباب
هيوا بنا إلى العمل
إلى البناء إلى البناء يدا في يد
نحمي حماك نحمي حماك يا بلاد
هيوا بنا هيوا بنا إلى الأمام
يعيش يعيش ملكنا المولى الأمام
قوتنا قدرتنا
عزتنا بين الأمم
طريق الوحدة بالأرقام
في عددها رقم 120، سلطت مجلة «دعوة الحق» الضوء على الورش التطوعي بأدق تفاصيله الصغيرة، كانت الطريق معدة لتربط شبكة إقليم الجنوب وخصوصا الطريق الثانوية رقم 302 الذاهبة من فاس إلى تازة عبر أكنول وبورد بالطريق الشمالية الرئيسية رقم 39 الرابطة بين شفشاون والحسيمة وهي جزء من الشبكة الممتدة طول جبال الريف شرق إقليم تطوان.
لم يكن في سنة 1957 أي اتصال طرقي عبر سلسلة جبال الريف بين الطريق الرئيسية رقم 28 من وزان إلى شفشاون والطريق الثانوية رقم 412 من تاوريرت إلى سلوان عبر سد مشرع حمادي.
وهكذا تحققت الوحدة بفضل طريق تاونات نحو كتامة، بمساهمة فعلية من آلاف المتطوعين في هذا المشروع الوطني.
وأثناء مدة الأوراش كلها كانت الأشغال تسير تحت الإشراف المباشر لولي العهد مولاي الحسن الذي طبعها بطابع عزيمته وشارك فيها بنفسه، يعمل هنا وهناك وسط العمالة ويحل ما استعصى عليهم من المشاكل المتعلقة بالتخييم والتموين والأشغال والمنشآت.
وحسب تقارير وزارة التجهيز التي كانت في بداية نشأتها وتعتمد على مهندسين فرنسيين، فإن الأتربة التي تم نزعها من باطن الأرض والجبال بلغت 681.732 مترا مكعبا، مقابل 186.561 من التراب المردوم.
تم بناء 12 قنطرة، منها 4 يبلغ طولها أكثر من 10 أمتار، و239 مترا من القنوات الممتدة تحت الطرق 11 قناة في المجموع، و935 مترا من حيطان التدعيم. شهدت طريق الوحدة بناء 28 مترا من الأنفاق وبما أن تسوية التراب كان من المحتم مباشرتها باليد، فقد استوجبت العملية عددا من العمال غير الدائمين لا يقل عن 1400 عامل. بينما بلغ إجمالي النفقات 5 ملايين من الدراهم.
بوشرت الأشغال الأولى في ما بين 15 يناير 1960 و15 فبراير من السنة نفسها، لكنها توقفت في ما بعد بسبب أحوال الطقس ولم تستأنف عمليا إلا في شهر أبريل 1960 وانتهت في 15 أبريل 1961 ثم بنيت قارعة الطريق.
وقسمت الأشغال إلى حصتين رئيسيتين:
الحصة الأولى كان هدفها إنجاز تسوية التراب في المرحلة الأولى على طول 6.500 متر في الأقسام الخالية من المنشآت الفنية. وفي الوقت نفسه كانت المنشآت الفنية تنجز تدريجيا منذ البداية، وبوشر عقب ذلك ردم الأتربة بالتدريج على قدر إنجاز المنشآت.
واستخدمت في هذه الحصة 8 شاحنات (منها 4 تفوق حمولتها 10 أطنان) وصهريجا و3 جرافات قادرة على تحريك 10 مطارق حافرة و6 مهاريس وجرار قوته 30 حصانا قادرة على تكثيف 30 طنا، و3 آلات لصنع الآجر، إضافة إلى 5 آليات معروفة بالبولدوزير.
«كان تموين الأوراش صعبا جدا في ما بين النقطة الكيلومترية 5 والنقطة الكيلومترية 10 ابتداء من الكاون، وذلك لعدم وجود ممرات للوصول إليها. فتم شق معبر في ما بعد بواسطة «البولدوزير»، حسب كالفان نارو مهندس فرنسي تمت الاستعانة به من طرف المهدي بن بركة.
وفي ما يتعلق بأجندة الحصة الثانية من المشروع، فقد وضع برنامج يهدف إلى إتمام تسوية التراب، بما في ذلك النفق في 15 نونبر 1960 وإتمام بناء المنشآت الفنية في 15 غشت، والمنشآت الأخرى في 15 نونبر 1960. وأخيرا تمت كل الأشغال سنة 1961 واستخدمت الطريق بعد تغطيتها رسميا في صيف سنة 1962.
وحسب هذه التقارير التقنية، فإن طريق الوحدة تم إنجازها فعلا في منتصف سنة 1962 وبنيت قارعتها بعد تسوية أتربتها. وفي انتظار بناء القارعة كانت العربات تسير على قاعدتها. واستغرقت الدراسات والأشغال الدقيقة 4 سنوات، يرجع عهد الأولى منها إلى صيف 1957 الوقت الذي أظهر فيه الشباب المغربي حماسا لا مثيل له مكنه من إنجاز تسوية التربة بنشاط فائق.
وكان على وزارة الأشغال العمومية، وخصوصا الدائرة الشمالية ومقاطعتي فاس وتطوان، أن تتكفل بالأشغال التقنية فقامت بذلك من سنة 1958 إلى 1962.





