حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

كفكف دموعك

 

حسن البصري

 

جثمت على مدرج المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، بالدار البيضاء، غيمة حزن خلال مناقشة أطروحة كانت صاحبتها رضى سناء التي ترقد في قبرها.

كان الأساتذة والطلبة وعائلة الفقيدة ونجوم الرياضة المغربية والجمعويون والسياسيون والنقابيون وتقنيو الصوت وأفراد الأمن الخاص، يختلسون لحظة فيسحبون من جيوبهم مناديلهم الشفافة ليجففوا منابع الدموع.

حضر الجميع إلا سناء، التي لبت نداء ربها بسبب مرض السرطان، الذي لم يمهلها ولم يمكنها من عرض أطروحتها ومناقشتها مع أعضاء لجنة المناقشة.

حين ارتدت نجلتها زي النجاح الأسود، تراقصت أمام عينيها صورة والدتها الملفوفة في كفن أبيض تحت الثرى فحاولت عبثا اعتقال مجرى دموعها.

منحت لها الشهادة الفخرية اعترافا بمسارها الأكاديمي والمهني المتميز، في مشهد امتزجت فيه أنبل المشاعر الإنسانية: الوفاء والعرفان والمحبة الصادقة.

كل الذين تناوبوا على منصة الخطابة أخضعتهم قوة الحدث للتوقف، في فاصل وجداني، لالتقاط الأنفاس وابتلاع آلام الفقد، قبل الاستمرار وقد تغيرت نبرات الأصوات.

من المفارقات الغريبة، في يوم أطروحة غيابية الأثر، أن يحضر المعنيون بموضوع بحثها وتغيب المرأة التي قضت أيامها في جبهات العمل الجمعوي والمكتبات والمصحات والصيدليات.

كان موضوع الأطروحة الجامعية: «محددات أداء الجمعيات الرياضية في درب السلطان الفداء»، وهو الموضوع الميداني الذي يشخص واقع العمل الجمعوي الرياضي بمنطقة ظلت تتنفس هواءها.

حضر رؤساء الجمعيات موضوع الأطروحة، وغابت الباحثة لظروف قاهرة لا تقبل التأجيل. لكن هذا المجهود الفكري سيظل صدقة جارية، وعلما ينتفع به في المجتمع المدني.

في المدرج، سيعلن الكاتب العام لوزارة الشباب، نيابة عن الوزير المهدي بنسعيد، عن إطلاق اسم الفقيدة على مأوى الشباب الفداء، وفاء لروحها ومسيرتها واعترافا بعطاءاتها المهنية، وهي التي قضت سنوات في خدمة القطاعين الرياضي والشبابي.

كانت سناء حاضرة بقوة في الجبهات المتقدمة من معارك العمل الجمعوي، كانت تحمل سيفا احتفظت به منذ أن كانت بطلة في رياضة المسايفة، وفي كرة اليد ناصرت منتدى درب السلطان وكادت أن تتحول إلى «بيفو» لفريق خرج من دروب الهشاشة، في تجربة أشبه بتجربة الرابطة في حي درب غلف. في عز مرضها، استأذنت من مرضها لتحتفل بفوز فريقها المحبوب بالبطولة والكأس.

كانت سناء حاضرة بقوة في معترك تدبير الشأن الجماعي للمقاطعة، كمستشارة تحمل قبعة الشباب والرياضة و«الهوند». وظلت تنشر دعوة «الرياضة للجميع».

حين خسرت سناء معركتها مع المرض، آمنت بالقضاء والقدر بكل روح رياضية، وأضحت إلى آخر رمق في حياتها منشغلة بهموم الآخرين ومعاناتهم.

في مشهد مؤثر انخرطت لجنة المناقشة والحضور الشرفي وعائلة الراحلة في نوبة بكاء، مصادر أحيانا وظاهر أحيانا أخرى، فيما كانت صورة سناء الملفوفة في السواد تزيد من هول المشهد وتحول المدرج إلى حائط مبكى.

صعدت روح سناء إلى السماء ولم تتحمل قساوة المشهد الرياضي، الذي أصبح فيه القيام بالواجب يكافأ بجائزة.

غادرتنا سناء قبل أن يطلع فجر مواثيق الشرف، التي تنوب اليوم عن القوانين والضوابط.

ماتت سناء وتركت وصية مكتوبة عبارة عن أطروحة، بين سطورها تنتصب علامات التشوير.

مكانك في السماء يا سناء، لا مكان لك بين الانتهازيين والخالدين في كراسي الجمعيات والنوادي.

انتقلت سناء إلى جوار ربها، ذات يوم حارق من شهر غشت الماضي. كان رفاق دربها موزعين بين المخيمات والإجازات، لكن تأبينها الحقيقي كان في حرم جامعي حين تحول مدرج المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير إلى فضاء للعزاء بين الطلبة والمدرسين وأهل الراحلة.

لقد جسدت أطروحة الراحلة المغزى الحقيقي لطلب العلم من المهد إلى اللحد.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى