
هناك أشياء كثيرة مثيرة للاستغراب تحدث هذه الأيام، ومن غرائب الزمن المغربي الحديث أن يتم الحكم على قاتل قطة بثلاثة أشهر حبسا نافذا فيما يتم الحكم على رئيس جامعة رياضية اختلس 580 مليونا بستة أشهر موقوفة التنفيذ وألف درهم غرامة.
وفي الوقت الذي شعر الجميع بالارتياح لقرار تعليق المرشحين الراسبين في مباراة المحاماة لإضرابهم عن الطعام، احتجاجا على كل الخروقات التي عرفتها المباراة التي سارت بذكرها الركبان، رأينا كيف “تضاربت” التعليقات حول خبر اعتقال محام مزيف ظل طوال ثماني سنوات يمارس المهنة بالرباط ويربح القضايا ضد مؤسسات الدولة، مستغلا اسم ورأسية محام أقعده المرض.
وقد وجد البعض أن هذا المحامي إذا كان فعلا قد ربح كل هذه الملفات في المحكمة الإدارية ضد هذه المؤسسات العمومية فإنه يستحق أن يمنح شهادة الأهلية ومكتبا لكي يستمر في ممارسة المهنة، ووجد كثيرون أنه يشبه شخصيةMike Ross في سلسلة “سيوت”، والذي رغم تفوقه في مهنة المحاماة كان يفتقد للدبلوم الذي يؤهله قانونيا لممارستها. ووجد البعض أنه يشبه شخصية Frank Abagnale في فيلمCatch Me If You Can والتي لعبها ديكابريو، والذي ظل ينتحل شخصيات متعددة وينصب على الشركات والدولة مزورا الهويات والوثائق إلى أن انتهى في السجن وبعدها موظفا لدى الدولة متخصصا في كشف حالات التزوير.
أما أنا فقد ذكرتني هذه الواقعة بعنوان فيلم المخرج المصري إبراهيم لطفي “لصوص لكن ظرفاء” الذي يعود إنتاجه إلى 1968 والذي كان من بطولة أحمد مظهر وعادل إمام وماري منيب ويوسف فخر الدين ومديحة سالم.
وهناك من ناشد نيتفليكس لكي تستلهم شخصية هذا المحامي المغربي المزيف لكي تصنع منها سلسلة مثيرة تكون جديرة بالمتابعة، سوى أن المتابعة الحالية التي سيحظى بها صاحبنا طالما أنه في المغرب هي المتابعة القضائية، إذ سيجد نفسه في سجن العرجات نزيلا بالجناح نفسه الذي يوجد به محام آخر لا يكف رغم وجوده رهن الاعتقال عن توزيع بطاقات الزيارة على السجناء لكي يربطوا الاتصال بمكتب محاماته لكي يتكفل بالدفاع عنهم.
وقد يتساءل أحدهم كيف لمحام معتقل أن يظل مكتبه مفتوحا يشتغل، وقد كنت سأجيب أن ذلك غير ممكن لولا أنني أعرف برلمانيين ورؤساء جماعات دخلوا السجن وظلت رواتبهم وتعويضاتهم تصل حساباتهم البنكية بانتظام، فهذه أشياء لا يمكن أن تحدث سوى عندنا.
وإني لأستغرب كيف يصدق معتقلون بقدرة محام لم يستطع تجنيب نفسه السجن على الدفاع عنهم وإخراجهم من السجن. فالأمر يشبه بعض أطباء التجميل المتخصصين في زرع الشعر والذين ينشرون إعلانات بصورهم التي تظهر فيها صلعتهم وهم يحاولون إقناع الصلع بمهاراتهم في استنبات الشعر.
ذات يوم ذهبت عند طبيب وجلست في قاعة الانتظار فلمحت نباتات زينة في الأصل وهي جافة وصفراء على وشك الموت فقمت وغادرت مسرعا، وقلت في نفسي إن هذا الطبيب لا يعطي الحياة قيمة والدليل على ذلك أن نباتاته تموت أمامه يوميا دون أن يسعفها بالماء.
والحقيقة أن حالة هذا الشخص الذي استطاع انتحال شخصية محام مريض طوال كل هذه السنوات ونجح في تغريم مؤسسات الدولة لصالح المشتكين تبقى بسيطة إذا قارناها بحالات دجالين ينتحلون صفات شخصيات سياسية طوال سنوات ويغادرون المهنة بمعاشات سخية دون أن يكشفهم أحد.
في السجن كان شخص نحيل غزى الشيب رأسه يطرق باب زنزانتي طلبا للجرائد القديمة، وذات يوم سألته عن التهمة التي أتت به إلى السجن فقال في شبه افتخار: “انتحال صفة ينظمها القانون والنصب والاحتيال”.
في ما بعد سيحكي لي قصته وكيف استطاع أن ينصب على ثلاثة وزراء عدل، من بوزوبع في حكومة الاتحاديين إلى الناصري في حكومة عباس الفاسي، وصولا إلى الرميد في حكومة الإسلاميين. فقد كان يذهب إلى الموقف ويختار ثلاث نساء ويطلي الجبس على أطرافهن ويذهب بهن إلى مكاتب المحامين لكي يقنعهم بأنه تدبر ملف حادثة سير، وكان يزور المحاضر وينصب على المحامين، ومنهم من أصبح وزيرا، فكانوا عندما يكتشفون أن الحادثة وهمية يستنكفون عن متابعة صاحبنا خوفا من الفضيحة. إلى أن وقع في شر أعماله عندما انتحل صفة قاض في محكمة النقض وبدأ يجمع الأموال من الراغبين في النجاح في مباراة الولوج للمحاماة. وأتذكر أنه كان يصر على أنه نصاب محترم وشريف، فهو لم يكن في الحقيقة يتدخل لأحد، وكل ما كان يصنعه هو أنه كان يجمع الأموال ويعد أصحابها بإعادتها إليهم في حالة عدم تمكنه من قضاء حاجتهم. وبالفعل عندما كانت تعلق النتائج كان صاحبنا يذهب كأيها الناس لمراجعة الأسماء، فكان يحتفظ بأموال الناجحين ويعيد للساقطين أموالهم، وهكذا بنى سمعة نظيفة وأصبح كل من يجتاز مباراة من مباريات الوظائف الحكومية يلجأ إلى خدماته.





