الرأي

للخسارة آباء أيضا

حسن البصري

من المفارقات العجيبة التي تميز مواعد الانتخابات الجماعية والجهوية، المقرر إجراؤها في الثامن من شتنبر المقبل، تزامن هذا التاريخ مع اليوم العالمي لمحو الأمية. بمعنى أن الانتخابات في بلدي قدر لها أن تجرى في يوم يذكرنا فيه المجتمع الدولي بأهمية القراءة والكتابة، وقد يكون اختيار وزارة الداخلية لهذا التاريخ فيه سبق إصرار وترصد للكتلة الناخبة وقدرتها على القطع مع الأمية السياسية.
لكن أم المفارقات أن يتقرر إجراء الانتخابات التشريعية في الخامس من أكتوبر تزامنا مع اليوم العالمي للمعلم. ليس صدفة أن تجتمع الأمية والمعلم في انتخابات جماعية وبرلمانية في يوم وطني، لكن الأكيد أننا سنقف للمعلم في ذلك اليوم بكل التبجيل الذي يستحقه، بدل الركض خلف مرشح يحمل بيمناه برنامجا انتخابيا مستنسخا وبيسراه حفنة مال لمن تتعطل حواسه يوم الاقتراع.
من حسن حظنا أن المواعد الانتخابية جنبتنا التصويت في اليوم العالمي للمراحيض، وإن كنا نود لو كان للاقتراع يومه يحتفل فيه العالم بالناخب والمنتخب ويعيد الاعتبار لعملية انتخابية لطالما لطخها المال السياسي الذي يتربص بنزاهة الانتخابات.
بعيدا عن لعبة التقاطعات الزمنية، لا بأس من العودة إلى ميدان التنافس الانتخابي لنجس نبض رؤساء الفرق الرياضية ونقرأ كفوفهم في انتخابات لا فرق بينها وبين مباريات الكرة إلا بتقنية «الفار».
بجرة قلم يحصل كثير من رؤساء فرق كرة القدم على تزكية لدخول غمار الانتخابات، وبركلة قدم يسقط الرئيس في المعترك السياسي فيضطر للمغادرة محمولا على آلة حدباء وهو يلعن في قرارة نفسه السياسة والسياسيين.
آخر الحاصلين على تزكية دخول غمار الانتخابات المقبلة، هو حكيم بن عبد الله رئيس النهضة البركانية لكرة القدم كمرشح لحزب الميزان، لكن العارفين بأحوال الطقس السياسي يخشون من تأثير نتائج الفريق البرتقالي على المرشح الوردي، سيما وأن النهضة أصبحت اليوم مرادفا للنكبة.
لذا كلما زحف موعد الاقتراع ولاحت بوادره بحملات تجديد اللوائح الانتخابية، إلا وشرع عدد من رؤساء الفرق الرياضية في عملية الإحماء استعدادا لخوض مباراة الاستحقاقات الانتخابية الجماعية والجهوية والمهنية والتشريعية، ولسان حالهم يقول: يا ليت الانتخابات تتم وفق نظام المنخرطين، الذين استبدلوا الصندوق بالتصفيق وأسسوا لديمقراطية الولاء الانتخابي، الذي تحول مع مرور الوقت إلى بلاء انتخابي.
كلما اقترب هذا الموعد الحاسم، فوض رؤساء الفرق أمر الكرة لمساعديهم، لأن السياسة تتطلب تفرغا وتحضيرا وتكتيكا ومعسكرا مغلقا تحت إشراف من سبقهم إلى خوض التصفيات المؤهلة إلى الوجاهة السياسية، لذا يغير كثير من الرؤساء جلدهم وعاداتهم القديمة ويتخلصون من الصرامة الزائدة وينتزعون من جوفهم رصيد القساوة ليصبحوا كائنات حلوة المذاق.
إذا تأملت اليوم سحنة رئيس فريق كرة مقبل مدبر على خوض مباراة الاقتراع، ستشعر بأنه بمثابة الأخ الذي لم تلده أمك، لكن هناك خطأ شائعا يسكن أذهان وجيوب الرؤساء المرشحين، فهم يعتقدون أن القاعدة الجماهيرية لفرقهم أشبه بفيلق مجند لخدمة الرئيس، وأن قريحة شعراء الملاعب ستجود عليهم بقوافي المديح.
كذب منجمو الانتخابات ولو صدقوا، لأن التاريخ يحيلنا على وقائع ملموسة لرياضيين صدقوا «مانشيطات» الصحف وركض الصحافيين خلفهم، وفي يوم الامتحان اكتشفوا زيف «استطلاعات» الرأي، وأهدروا فرصة التأهيل للمقاطعة والبرلمان بجزئيات بسيطة كما يقول المدربون في قراءاتهم لكف المباراة.
اسألوا عبد الله غلام وبادو الزاكي وسعيد عويطة وسعيد حسبان وأحمد عموري ومحمد الكرتيلي وكثيرا من الرياضيين، عن سر إهدارهم فرصة الجلوس تحت قبة البرلمان، سيعترفون أمامكم بأنهم أساؤوا فهم اللعبة حين اعتقدوا أن الجائع لا يساوي شيئا إلا إذا كان صوتا انتخابيا، وأن الانتخابات تجرى على مراحل معكوسة، أولاها إعلان النتائج ثم التصويت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى