الرأي

مصابة بك

زينب بنموسى

تعيد الصفعات ترتيب القلب مرة بعد أخرى.
كأني أستلذها، أرغم قلبي على الوقوف وسط ساحة المعترك وحيدا أعزل، بلا حصن يحميه، ولا جند يدافع عنه، ولا حتى راية بيضاء يلوذ إليها إذا ما أعياه الصمود.
كل الهزائم التي فتكت بي، والخيبات التي استقرت طويلا ما بين صدري وحلقي، والدمار اللاحق بكل جزء في، الندبات، البؤس، لا تفعل بي شيئا أكثر من المقدر لها فعله.
كل صباح أركلها تحت مفرش الحزن الصغير، أخلع قلبي، وأخرج لأواجه العالم بشفاه حمراء وأحداق زرقاء، وفؤاد معلوم.
يراقب قلبي هذه الخسارة اللذيذة/الحزينة مبتسما بحياد مفزع، يذكرني كل لحظة أنه كان يعلم ما مصيره النهائي، وأن قصر الأحلام الذي شيدناه من ساعات الكلام الطويلة، وليالي العشق الحزينة، كان لا بد أن ينهار حين يفقد أحدنا قدرته على صنع الحروف.
فأجيبه أن الحروف ما أكثرها هنا وهناك حبيسة قلبينا، وليتنا قد فقدناها، فأنت فقط فقدت قدرتك على التحديق في وجهي بعد أن احتله الحزن، وأنا فقدت قشة الغريق التي علقت نفسي بها كي أتجنب الغرق عند شواطئ عينيك..
أفكر كثيرا في اسم لهذا الإحساس البوهيمي المخيف الذي يحتل قلبي، عن ماهية الشعور الذي أحسه نحوك، ومعنى المشاعر التي يكنها صدرها إليك، أقارن حبك رغما عني بالمرض، وأجدني في أقسى لحظات الوجد، وأقوى أوقات الهيام أشبه مريض إدمان يقتات مرضه على رغباته، وتعيش رغباته، وتنتعش بفضل نفس المرض، أكتشف أني أكن لك ما هو أعظم من الجوى، أقوى من الحب، وأقسى من التعلق، أني في الحقيقة «مصابة بك «.
وأن هذا الوصف الغريب، عظيم رغم عتمته وشراسته والعنف الذي يحمل في طياته.. وغريب مثل هذا القلب، حزبن مثل التفاتة في شارع مزدحم، التفاتة لم يلحظها أحد، خرجت – تمشت – التصقت بالجدران ثم عادت مهزومة إلى ذاكرتي لتأخذ مكانها بجانب أخواتها.
أني مصابة بك وأحاول جاهدة الشفاء منك، رغم علمي المسبق بأنني سأفشل، ودرايتي، أنني أقود ضدك حربا نسائية خاسرة، حربا جندت لها أبجديتي كلها، حروفي، لحظات غضبي، انهياري، جنوني وكل صغار الوحدة الذين ربيتهم بداخلي، فنجان القهوة المتسخ منذ مدة، لا لأنني امرأة كسولة بل لأنني مزاجية ومزاجي مرتبط نوعا ما برائحة القهوة، لا أريدها أن تنقطع كي لا أفقد آخر خيط يربطني بالحياة.. الأوراق المبعثرة.. واتصالاتنا المؤجلة، قبلتنا الأولى، تلك التي تلتصق بذاكرتي كحبة خرز.
كل تلك التفاصيل التي لا ترى بلمحة واحدة، ومستحيل أن يجمعها سطر واحد، وضعتها خلفي في مواجهة قلبك.. وأعلم أني سأفشل… سأفشل تماما كما أتوقع… وكما أريد..
وسأبقى امرأة وحيدة.. أصيبت بك كرصاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى