شوف تشوف

الرأي

هل ما زال إنقاذ سوريا ممكنا؟

مروان قبلان

تثير الاتفاقية التي أقرتها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بين شركة دلتا كريسنت إينرجي وقائد ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، لاستثمار النفط في مناطق شرق الفرات، مخاوف سوريين كثيرين على اختلاف توجهاتهم، فقد تمثل الخطوة مدخلا لتكريس أمر واقع، شبيه بما أقامته واشنطن شمال العراق بعد حرب تحرير الكويت عام 1991، وإن كانت نتائجها أكثر مدعاة للقلق في الحالة السورية، لماذا؟ لأن العراق، وعلى الرغم من أنه خاض منذ عام 1980، خمس حروب وفوقها الحصار الطويل (1991- 2003) إلا أنه ظل مع ذلك متماسكا، غير مهدد ببقائه ووجوده كيانا سياسيا. وحتى محاولة الاستفتاء على الاستقلال التي أجراها إقليم كردستان عام 2017 باءت بالفشل، على الرغم من تصويت أغلبية السكان لصالحها، ودعم دول عربية وإسرائيل لها. في سوريا، يبدو الوضع مختلفا، فالدمار الذي لحق بالبلاد، سواء على الصعيد المادي أو على صعيد النسيج المجتمعي، وتقاسم السيطرة على الأرض بين قوى خارجية، مباشرة أو عن طريق أمراء حرب وميليشيات، وإنشاء سلطات موازية، فضلا عن تحلل مؤسسات الدولة التي يقبض عليها النظام، وانهيار سيطرتها الأمنية والاقتصادية، أدى ذلك كله إلى تهشيم الدولة السورية، وتغيير معالمها بعمق. هذا يعني أن الصراع الذي بدأ، بشأن نظام الحكم وشكله وممارساته ومصادر شرعيته، قد انتقل إلى مرحلة باتت فيها الدولة نفسها، بوصفها كيانا سياسيا، محل تساؤل، ما يمهد لظهور كانتونات، وتعدد سلطات، يحاول كل منها أن يحظى بمصدر من مصادر الشرعية.
عندما خرج السوريون، أو جزء كبير منهم عام 2011 لإطلاق ثورتهم المؤجلة كان هدفهم هو استعادة الدولة من قبضة نظام حولها إلى أداة للسيطرة على المجتمع، وقمع طموحاته وتطلعاته في الحرية والمواطنة ودولة القانون. لا شك أن كثيرين لم يكن لديهم، ولم تتكون لديهم بعد ذلك، القدرة على التمييز بين السلطة والدولة، نظرا إلى التماهي الشديد بين الاثنين في الحالة السورية. لكن الأكيد أن أحدا لم يخرج طلبا لإسقاط الدولة، أو تغيير ملامحها، أو إعادة تعريفها كيانا سياسيا قانونيا موحدا، من خلال أطروحات كالفيدرالية واللامركزية، أو ربط أجزاء منها بدول الجوار، وغير ذلك مما قد يؤدي يقينا إلى تحلل سوريا، وظهور كيانات وهويات تحت – وطنية. خرج السوريون، إذا شئنا استعارة التشبيه الذي يستخدمه المنظرون الغربيون للتمييز بين السلطة والدولة، لتغيير السائق، ووضع قواعد متفق عليها للقيادة، وليس لتفكيك المركبة، والظفر بأجزاء منها.
أما وقد صرنا إلى هنا، فلا بد من مشروع يوقف الانهيار. كيف يمكن لنا، نحن السوريين، أن نقبل بعد مائة عام على قيام الدولة السورية، تلك التي كنا نصمها بأنها صنيعة التجزئة الاستعمارية، ونعدها أقل كثيرا من طموحاتنا، بالفشل في الحفاظ عليها، أو السماح بتفكيكها، إلى ما هو دون سايكس بيكو؟ كيف نقبل بعد أن صدعنا رؤوس العرب أكثر من قرن بأفكار القومية العربية وإقامة كيان عربي موحد، بالفشل في إنتاج هوية وطنية سورية صغيرة والحفاظ عليها؟ كيف لنا، نحن الجيل الراهن، أن نقبل بالمسؤولية التاريخية عن ضياع وطن وانهيار أمة؟ لا بد لذلك من استعادة وعينا الوطني، واسترداد الإرادة التي استلبتها تبعيتنا للدول والمعسكرات، وتضافر جهود الجميع لإنقاذ وطن ما زال ممكنا إنقاذه، ولتكن اتفاقية النفط بمثابة جرس إنذار يحفزنا بهذا الاتجاه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى