شوف تشوف

الرأي

جدل التوقيت والتأجيل في الانتخابات

إعادة فتح قوائم التسجيل في الانتخابات يتطلب إجراءات قانونية، على اعتبار أن تمديد الآجال أو وضع أفق جديد يفترض أن يستند إلى مرجعية قانونية، هي من اختصاص السلطة التنفيذية، لكنها من الناحية السياسية تحتم امتزاج رأي المعارضة وحصول توافق حول المسألة، كما هو حال باقي القوانين التنظيمية.
سواء فهم من العملية أن جهود إقناع الناخبين الجدد بالتسجيل في القوائم لم تحرز تقدما، على قدر الآمال، أو ارتبطت بهاجس الخوف من تدني نسبة المشاركة التي تشكل عائقا حقيقيا، فالمسألة تحيل في أقل تقدير على إقرار أجندة جديدة، سيكون من تداعياتها أن الموعد المقرر مبدئيا لإجراء الانتخابات يمكن أن يطرأ عليه بعض الإرجاء، بخاصة في ظل ما تتطلبه عملية تحيين القوائم الجديدة. ومثل أي إجراء تترتب عليه معطيات جديدة، يصبح التفكير في ملاءمة هذه العملية والمواعيد المقررة لإجراء انتخابات البلديات والجهات ومجلس المستشارين أمرا قائما.
وإذا كانت بعض المركزيات النقابية عابت على السلطة التنفيذية التأخير الحاصل في الإعلان عن نتائج مندوبي المأجورين، فإن ذلك التأخير كان يمكن تفاديه، لا لشيء سوى لأنه يثير بعض التساؤلات التي يتعين تلافيها في المسلسل الانتخابي برمته. ومن شأن هذه القضية أن تحمل إلى الواجهة النقاش القديم حول أهلية الإشراف على الاستحقاقات الانتخابية، وإن كان الأمر حسم من الناحية المبدئية والقانونية، فإنه لا يزال يطل برأسه من الناحية السياسية، إذ يمكن لمن كانوا يدفعون في اتجاه غير هذا أن يدعموا موقفهم بذلك التأخير.
عمليا لم تعرف انتخابات محلية مثل الجدل المثار حول البلديات والجهات والغرفة الثانية، خصوصا وأن توجهات كانت صدرت من المراجع الرسمية العليا بأن تُنظم مباشرة في العام الموالي للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، أي منذ حوالي ثلاث سنوات. وكان من المؤاخذات التي سجلت على عدم الوفاء بتلك التعهدات أن طُرحت مسألة ملاءمة مجلس المستشارين لوضع الدستور الجديد، من حيث تركيبته ومكوناته وصلاحياته، كي يكون أداؤه متميزا ومختلفا عن مجلس النواب.
غير أنه إذا كان خيار النظام الجهوي فرض نفسه، في سياق التحولات العميقة التي طرأت على بنيات الدولة، على خلفية الحقائق الجديدة التي أقرها دستور فاتح يوليوز 2011، فإن الحوار حوله لم يستنفذ كافة أغراضه، ولازلنا نتذكر في هذا السياق دعوة جلالة الملك محمد السادس لإقامة حوار وطني حول الجهوية، قبل إقرار قوانينها التنظيمية. وعندما تم الاتفاق على تحديد أجندة الاستحقاقات القادمة، تركت بعض القضايا معلقة، ليس أقلها أن التوقيت الذي جرى الاتفاق حوله واقتراحه، ليس ملائما، وتحديدا على مستوى الفترة الزمنية الفاصلة بين العطلة الصيفية وقبلها شهر رمضان الفضيل والاستعداد للدخول المدرسي.
وإذا كان يصعب الجزم في أي التوقيت أكثر ملاءمة، لأن العادة جرت أن تنظم الانتخابات خلال فصلي الصيف أو الخريف، فإن القيام بعملية حسابية، تبدأ بتسجيل قوائم المترشحين والدخول في غمار المنافسات وصولا إلى يوم الاقتراع، تكاد تستغرق شهر غشت الذي تحول إلى توقيت ملائم للعطلة، علما أن الموسم السياسي لم يعد يسير وفق قاعدة العطل. خصوصا وأن شهر يوليوز أصبح محطة أساسية في ترسيم توجهات المرحلة، من خلال خطاب العرش الذي ينصرف إلى تقييم حصيلة عام كامل من الإنجازات، ويرفقها برسم توجهات المرحلة القادمة، ينضاف إلى ذلك أن خطاب ذكرى ثورة العرش والشعب واحتفالات عيد ميلاد الملك محمد السادس، تعزز بدورها هذه التوجهات.
الأساس من وراء عملية الانتخابات هو تجديد النخب وضخ دماء جديدة في شرايين الديمقراطية التشريعية والمحلية. وبالتالي فالرهان على هذا الخيار أكبر من العطل أو أي انشغالات موسمية، إلا أن الناخبين الذين يفترض أن يتوجه إليهم المترشحون من مختلف الانتماءات والتيارات، تكون لهم انشغالات موسمية، والمفترض في الوعي الديمقراطي الارتقاء بهذه الانشغالات على إيقاع دعم خيار المشاركة التي تعتبر معيار تغلغل الوعي الديمقراطي، واستبدال ثقافة الملاحظة والانتقاد بثقافة المشاركة من الداخل. لأن المترشحين والناخبين لا يأتون من الفضاء، بل هم نتاج تراكم التجارب السياسية.
لا ينبغي التوقف عند هذا الهاجس، فقد دلت معطيات على أن الناخبين في الديمقراطيات المتطورة يشاركون في كافة الاستحقاقات، أينما كانوا. وما تخصيص حيز زمني ومكاتب تصويت للجاليات المقيمة خارج أوطانها إلا الدليل القاطع على أهمية ضمان المشاركة الجماعية وبالتالي فالعطل الصيفية لا يجب أن تكون عائقا أمام أداء هذا الواجب الوطني، خصوصا عند انتشار الوعي بأهمية الاستحقاقات المحلية، كونها ترتبط بالحياة والاهتمامات المباشرة للمواطنين.
غير أنه إذا كان لابد من الإفساح في المجال أمام تعزيز حظوظ المشاركة، من خلال إرجاء الانتخابات بعض الوقت، فإن ذلك لن يؤثر في مسار التجربة. فالكل يقول بأنه مستعد لخوض غمار التجربة، الأحزاب والحكومة وفاعليات المجتمع المدني، ولن يضير التجربة أن تتأخر بضعة أسابيع أو يتم احترام الأجندة المقررة مبدئيا في الرابع من سبتمبر القادم، والأهم تظافر الجهود من أجل الارتقاء بمستوى المشاركة والقطع مع سياسة العزوف، لأنها من أخطر الظواهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى