شوف تشوف

الرأي

حقوق النساء في كندا

سمعت عن اعتقال مجموعة أكاديميين في تركيا في 15 يناير 2016م لأنهم رفعوا عريضة استنكار لما يحدث من تصرف الجيش التركي في شرق البلاد، وكنت أنا يومها غارقا في ثلوج كندا في نهاية يناير من عام 2016م في درجة حرارة تذكر بصقيع القطب الجنوبي عشرين تحت الصفر. وكانت ابنتي المحامية بشرى منهمكة في إعداد أوراقها للمرافعة للدفاع عن سيدة ظلمت من مؤسستها.
سألت ابنتي ماهو الجور الذي وقع عليها؟ فقالت: زعموا أنها امرأة لا تستطيع تنظيف الرصيف من الثلج المتراكم؟
تأملت في نفسي وفكرت في استنفار القضاء والوقت والجهد، وقيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، وتحفز محامي الدفاع، وأكثر من عشرة شهود ومن الطرفين.. هل تفوه سيد العمل بمثل هذه العبارة المهينة؟ وهذا كله للدفاع عن امرأة شعرت أنها أهينت واحتقرت لأنها أنثى؟؟
بعد معركة قضائية استغرقت يومين سألت ابنتي المحامية ما الذي تحصل عليه المرأة لو ربحتم القضية؟ فقالت ستكلف هذه الجملة المهينة الشركة ربما خمسة عشر ألف دولار. قلت في نفسي بخ بخ للنساء في كندا.
التفت لي صهري (أبو حميد) في مونتريال وفاجأني بقصة أخرى عن سيدة محجبة، دخلت مكان ملابس في مونتريال، وسألت سؤالا روتينيا معروفا بين سكان كندا عن مناسبة اللباس لدرجة الحرارة، هل يلائم درجة ثلاثين تحت الصفر؟
ردت الموظفة التي تبيع: كندا لا تناسبك ارجعي إلى بلدك من حيث أتيت. اشتكت السيدة (المحجبة) إلى الموظف المشرف (Supervisor) فحاول (لفلفة) الغلطة بكل سبيل ممكن.
قال لي أبو حميد لقد رفعت قضية على الموظفة لمثل هذه الهفوة غير الواردة مطلقا في أرض الهجرة كندا.
وروت لي ابنتي مريم نفس الشيء عن سيدة مسنة ما زالت تحمل الروح الأوربية الاستعمارية العتيقة حين قالت لابنتي: ارجعي إلى بلدك؟ فأجابتها مريم ابنتي: بل ارجعي أنت واتركي كندا لأهلها من السكان الأصليين (Native).
نفس الشيء رواه لي صهري (ياسر) عن وفد ألماني جاء يشتري من شركة الطيران التي يصنعون فيها قمرة القيادة، وكيف صدرت منهم بعض العبارات العنصرية. نظر الكنديون مندهشين بعضهم في بعض، مما دفع الوفد الألماني إلى التظاهر بالغباء على أنهم كانوا ينكتون.
تذكرت ألمانيا حين كنت أختص فيها وأقرأ في كل زاوية أيها الأجنبي (انقلع) من بلدنا (Auslaender raus).
قال لي السيد (أنس) من مدينة الجديدة المغربية والذي ينطق الألمانية بأفضل من (الهضرة) المغربية: لقد تغيرت ألمانيا. فهمت سياسة (ميركل) باستقبال مليون سوري فار من قصف القوزاق والصفوية والبعثية لتعويض انقراض النسل.
كندا مجتمع إنساني من المطار إلى المطار سلوكا وتعبيرا. في قسم البطاقات الطبية قابلنا الموظف الأسود (ريشارد بيجي ريمانا) المهاجر من أفريقيا. في بنك التي دي (TD)  تقابلنا مع السيدة اللبنانية (تاليا باتاراك) الرقيقة المهذبة فلقينا منها كل لطف وأدب ومساعدة. أما السيدة (باستين) الفرنساوية التي قابلتنا في قسم الضرائب (Custom) فسألت بلطف، وفي وجهها سيماء النبل والصدق، عما نحمل في الشاحنة التي شحنا فيها أغراضنا من السعودية؟ لم يفتحوا ولم يدققوا بل عاملونا بصدق وثقة بما نصرح.
في حضانة حفيدي (عزم) في منطقة كيركلاند في مونتريال يجتمع خمسة أطفال؛ (شوتيكا) الهندية، و(زايدن) الأسود، و(كاليستا) الإنجليزية، و(أنطوان) الفرنسي، وحفيدي السوري، أما معلمتهم (ماندي) فهي يونانية اعتنقت الإسلام وزوجها فلسطيني.
وحين نقلت العفش من ميناء مونتريال إلى بيتي كان سائق الشاحنة سيخي بعمة لا تفارق رأسه، وصاحب شركة النقل (لي) الصيني يساعده في النقل (جرانت) الكندي من منطقة فاوندلاند، وآرثر البرازيلي، وريكاردو المكسيكي.
وحين دخلت بنك تي دي لمقابلة جورج (اليوناني) تعرفت على مساعدته (جينيفر بسيس) من أب تونسي وأم فرنساوية، ويمر بك اثنان من السود يخبرانك عن مكان القهوة المجانية في البنك التي دخلت رائحتها القوية العبقة أنفي، ثم يمر بك يهودي متدين قد علت هامته الطاقية اليهودية المعروفة. أنت هنا تسبح في أشكال وأديان وثقافات العالم أجمعين، في مجتمع يقوم على العدل والصدق والسلام. لا مكان للشفارة والتشفير ولا وجود للصوص بني طيء، ولا حرامية أوربا الشرقية، أو المساخيط الأوغاد القتلة من شبيحة الأسد.  كل المعاملات تمر بلطف ويسر وصدق وأمانة وكأننا في كوكب آخر.
موضوع درجة الحرارة قالوه لي عفويا حين اشتريت (البوط) وأنه مناسب حتى درجة الحرارة ثلاثين تحت الصفر؟ اشتريته مضطرا بعد أن طوحت بطولي على الأرض متزحلقا وترضرض رسغي الأيمن من هول الوقعة؟ لكن ساعدي لم يكسر؛ فبه أكتب مقالتي الحالية.
تذكرت ألمانيا في سنوات اختصاصي، وكيف عالجت يوما في عطلة نهاية الأسبوع العديد من النساء المسنات بفعل الزحلقة، كما حصل معي، عالجتهن من إصابتهن بكسر الراديوس (Radius Fracture =عظم الكعبرة) بعد التصوير الشعاعي بوضع الجبس لأسابيع.
قالت ابنتي أروى إذا أردت العيش في كندا شتاء فعليك بالاستنفار الشتوي. المرأة المحجبة التي سألت في المحل عن ملاءمة اللباس لدرجة حرارة عشرين تحت الصفر، فوجئت بجواب غير متوقع في أرض الهجرة كندا. يبدو أن الموظفة الموتورة حمقت من وجود محجبة على الأرض الكندية ـ بالمناسبة جاءت طائرة تقل دفعة من المهاجرين والمهاجرات الهاربات من قصف بشارالبراميلي في يناير تضم نساء محجبات من درعا وبعضهن منقبات ـ
في نفس الوقت رأيت رئيس الوزراء الكندي جستين ترودو (Justin Trudeau) وهو يؤدي صلاة المغرب، ويدعو مع المسلمين ويخطب في المنبر. تذكرت فوج المنافقين في دمشق وهم يمدحون الطاغية وكأنه النبي محمد (ص). حتى محمد (ص) قال حثوا التراب في وجوه المداحين.
تذكرت كتاب (سيكولوجية الشعوب) لـ(جوستاف لوبون) عن بونابرت وكيف أعلن إسلامه في مصر، واحترامه للكرادلة في روما، وأنه كاثوليكي تقي للمتمردين في أقليم الفاندي في فرنسا فهدأوا؟ وقال لو قدر لي حكم اليهود لأعدت بناء معبد سليمان.
أذكر صديقي عبد المجيد القادري الذي استنفر نفسه لحمل عائلته الواسعة إلى كندا بأكثر من عشرة أنفار، بتذكرة جماعية فاقت العشرة آلاف دولار احتلوا فيها صفوفا. قال إن المعلمة فرشت السجادة لابنتي لصلاتها، قلت له يجب أن تفهم أن كندا هي الأم الرحيم لكل ضعيف ومحتاج.
أنا شخصيا لم أعمل في كندا ساعة واحدة. منحت فيها الراتب التقاعدي بعد أن وصلت سن الـ 65 عاما. في السعودية أعطوني مكافأة نهاية الخدمة بعد خدمة ربع قرن خمسين ألف ريال سعودي لم تكف لإيجار بيت لمدة عام واحد. ومددت إقامتي لمدة عام بكلفة فاقت خمسة آلاف دولار؟
كندا يا أعزائي هي بلد الضمانات. السيدة المغربية (ثريا) التي اجتمعت بها مع زوجها السيد (محمد) حدثتني عن سكناهما في جان طولون، ومدارس تربية الأطفال التي يعملان فيها، قالت إن من يعتني بأطفال رضع وشيوخ ركع يعفى من الضريبة؛ خلافا ليونس الذي قال إنه هرب من كندا لفداحة الضرائب.
هو (بناء) للبيوت يربح جيدا وبالتالي دفع في سنة واحدة على حد قوله 350 ألف دولار كضريبة. في كندا ليس هناك مثل المغرب (نوار) من تحت الطاولة. هناك مراقبة صارمة لتبييض الأموال، وهذا هو السر في تدفق الرفاهية في مفاصل المجتمع الكندي.
تذكرت الآية من سورة الجن 16 ـ 17 (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا. لنفتنهم فيه، ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا).
نعم المجتمعات العربية بفوالق التصدع الطبقي تعيش عذابا صعدا آخره انفجار الثورات المريع والدماء التي تسيل.
تذكرت أيضا في هذا السياق (عرار) الكندي ذا الأصل السوري الذي سلمته المخابرات الأمريكية إلى المخابرات السورية عبر البوابة الأردنية بالتعاون بين الأشاوس العرب الذي اعتادوا ظلم الناس وجلد أبشارهم، وكيف كلفت هذه الغلطة الحكومة الكندية الاعتذار لعرار ودفع تعويض 12 مليون دولار.
وتذكرت معها قصة اليهودي (زيد بن السمين) واتهامه بسرقة الدرع في المدينة، وكيف نزلت عشر آيات من سورة النساء لتبرئته (أرجو مراجعة الآيات من سورة النساء من 105 حتى 116 إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أنزل الله ولا تكن للخائنين خصيما).
أما العرب فهم في الظلمات يسبحون، أما الأتراك ومع إطلاقهم لزخم الديموقراطية في بلدهم فهم يعانون من مخاض عسير لهضم مثل هذا الأكسير، الذي اسمه (حرية التعبير) في المجتمع الديموقراطي؛ فهي ليست كلمات في القاموس، بل ممارسة قاسية، يجب التدرب عليها، فنطلق أفواه الناس في (حرية التعبير) ونحرم استخدام القوة في إكراه الناس على اعتقاد وتصديق ما ليس بصدق، كما هو الحال في بقايا الجيوب الستالينية. وقد دخل إلى سرداب المخابرات الروسية السرية وأراشيفها المظلمة البحاثة الروسي (راسوموف Rasumow) قبل أيام (يراجع بحث أرشيف الرعب والإرهاب الروسي ـ مجلة در شبيجل الألمانية ـ العدد 53 تاريخ 24 ديسمبر من عام 2015م صفحة 94).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى