شوف تشوف

فسحة الصيف

حينما استغرب الحسن الثاني من الموت المفاجئ للفنان بوجميع

وفيات لفها الغموض

حسن البصري
في كثير من حالات الوفاة، يقف المحققون حيارى أمام هول الموت، وغالبا ما يستخلصون إذنا بالدفن وتبقى أسرار الرحيل في نفق الغموض. في قائمة الوفيات غير العادية، مشاهير انطفأت شموع حياتهم في ظروف فريدة ونادرة. سياسيون وفنانون ومفكرون ورياضيون وأطباء وإعلاميون مغاربة لقوا حتفهم بشكل غير متوقع، ومرت سنوات على الرحيل دون أن تطوى القضية، بل إن الصحافة وأهالي الفقيد ظلوا يطاردون لغز الوفاة كأنهم يطاردون خيط دخان.

فاجأ عبد الله حكور، شقيق الفنان الغيواني الراحل بوجمعة حكور الشهير بلقب بوجميع، الرأي العام المغربي حين صرح للقناة الثانية في ذكرى الفقيد، بأن وفاة شقيقه التي ترجع إلى يوم 24 أكتوبر 1974 يلفها الغموض، وأن الرواية الرسمية التي تتحدث عن وفاة بسبب قرحة المعدة لا أساس لها من الصحة.
في الساعات الأخيرة من حياة بوجميع، لاحظ أفراد أسرته أن مادة بيضاء لزجة تخرج من فمه خاصة يوم وفاته، مما قوى احتمال تعرضه لتسمم. لكن السر الحقيقي لوفاته طوي بعد الرحيل، بل إن الطبيب الذي عاين الجثة رفض الترخيص بالدفن إلا بعد إعداد تقرير شرعي، لكنه عاد بعد ساعة ليمنح الترخيص دون إجراء تشريح للجثة، مؤكدا أن الأمر يتعلق بقرحة المعدة، لكن القرار سرعان ما أصبح موضع تشكيك ومساءلة حين طالبت أسرة حكور بإعادة تشريح الجثة.
ويحكي شقيق بوجميع أن الطبيب الذي حضر إلى الشقة في اليوم الموالي، شكك في أن بوجميع مات مسموما، علما أنه رفض التصريح بدفن الجثة ما لم يحصل على تقرير من الطبيب الشرعي، وكان يؤكد كل مرة أنه من المستحيل أن يكون بوجميع مات ميتة طبيعية. لكن في لحظة معينة غادر الطبيب الشقة لبضع دقائق ليعود وقد غير أقواله تماما، «طالبنا بدفن الجثة على وجه السرعة وأصر على حضور مراسم الدفن بنفسه ليتأكد من أن جثمان بوجميع قد ووري الثرى».
يستفسر شقيق بوجميع وأصدقاؤه أيضا عن سر السيارة الحكومية التي شوهد بوجمعة يركبها يوم وفاته. سيارة من كانت؟ وإلى أين أخذته؟ صديقه محمد بوحافة أكد أن بوجميع لم يفصح له عن جواب لهذين السؤالين، لكنه «كان منهكا جدا حينما ذهب للنوم، نومته الأخيرة التي لم يصح منها أبدا»، يقول شقيقه في شهادته لبرنامج «نوسطالجيا».
أسئلة أخرى كثيرة تطرحها أسرة بوجميع وأصدقاؤه عن شافية، صديقة بوجميع المشبوهة التي تأكد للأسرة في ما بعد أنها كانت تعمل لحساب جهاز أمني معين، وكانت مكلفة بمراقبة نجم “ناس الغيوان” وبقية أعضاء الفرقة. وإلا لماذا اختفت شافية تماما وكأن الأرض ابتلعتها يومين قبل وفاته؟
تحول سؤال لغز الوفاة إلى جدل بين شقيق الراحل بوجميع وعضو فرقة “ناس الغيوان” عمر السيد، إلى مواجهة إعلامية بين الطرفين، بل إن شقيق الفقيد ذهب إلى حد اتهام عمر بالاستحواذ على منافع مالية راكمها من “ناس الغيوان”، وهو ما نفاه السيد جملة وتفصيلا، حيث أكد بوصفه أبرز مؤسسي فرقة «ناس الغيوان»، أن اتهامات عبد الله بوجميع له بـ«احتكار التراث الغنائي للفرقة» عارية من الصحة، وقال إنه «يحاول منذ ما يزيد عن عقود إفشال الجهود التي تبذلها مجموعة “ناس الغيوان” من أجل الاستمرار، وذلك بـتوزيع الاتهامات المجانية على أفرادها»، مؤكدا أنه «إذا كانت لدى بوجميع دلائل على صحة ادعاءاته، فالمحكمة هي الفيصل بيننا».
قبل وفاته، وعلى غرار باقي الفنانين الذين يصارعون المرض حبا في الفن، فإن بوجميع شارك في سهرة فنية طلابية بمدينة القصر الكبير رفقة مجموعة “ناس الغيوان”، وبدا، حسب شهادات رفاقه، في كامل لياقته البدنية يوم 21 أكتوبر 1974 أي قبل رحيله إلى دار البقاء بثلاثة أيام.
تعددت الروايات حول مرض بوجميع، لكن مقربين منه أكدوا أن المرض ناتج عن ورم سرطاني في الرئة، إذ نصحه أحد الأطباء بالابتعاد عن التدخين ووصف له الدواء، لكن دون أن يتقيد بوجميع بالتعليمات.
روى عمر السيد أنه كان يتجول في أحد أيام سنة 1969 بشوارع الرباط رفقة المرحوم بوجميع ومولاي عبد العزيز الطاهري، فتوقفت أمامهم فجأة سيارة فخمة ونزل منها أشخاص وطلبوا منه مرافقتهم أو اللحاق بهم إلى القصر الملكي، «لأن سيدنا يرغب في مشاهدة المسرحية في عرض خاص والفرقة التي أعمل معها تبحث عني». ويضيف عمر السيد أنه أصيب بارتباك وذعر وهرع جهة القصر الملكي حتى دون حلاقة ذقنه.
يضيف عمر السيد: «في بداية سنة 1975 دخلت مجموعة “ناس الغيوان” إلى القصر الملكي لتغني للمرة الرابعة، سلمنا على الملك الحسن الثاني قبل البداية وما إن انتهينا من الأغنية الأولى، حتى تقدم إلينا وتوجه نحونا وسألني: «بوجميع باش مات؟» فقلت له: «نعم سيدي بقرحة المعدة»، فرد علي: «القرحة مرض يعالج والموضوع لم يكن في علمي»، فقلت له: «ليست لدينا تجربة والمرحوم لم يكن يحترم الحمية واشتد عليه المرض وفاجأنا بنزيف لم نكن ننتظره، وقبل أن نتمكن من نقله إلى المستشفى فارق الحياة، فرد علي جلالته رحمه الله مبديا أسفه وقد تغيرت ملامحه وقال: «مسكين».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى