الرأي

إيران.. ظرف ظريف أم ديناميت سليماني؟

الواضح أن شهر العسل، في العلاقات الكويتية ـ الإيرانية، كان قصيراً أو عابراً، ومخالفاً لمألوف السلوك الإيراني على أقلّ تقدير؛ بدليل التدهور السريع في الخطاب الدبلوماسي المتبادل بين البلدين، إثر انكشاف ما بات يُعرف بـ»خلية العبدلي»، وتورّط عدد من أنصار طهران الكويتيين، فضلاً عن دبلوماسيين إيرانيين، في تخزين كميات هائلة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات وأجهزة التنصت. في يونيو 2014، حين قام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح بزيارة طهران، كانت اللغة مختلفة، وردية وناعمة؛ فأطرى الأمير على حكمة المرشد الأعلى علي خامنئي، واعتبره «الزعيم الأعلى» للمنطقة بأسرها، حسب وكالة فارس الإيرانية؛ وردّ خامنئي التحية، فامتدح «حكمة» الكويت، ومواقفها «الكريمة» تجاه تنمية المنطقة. وفي الواجهة المعلنة لتلك الزيارة، شهد الأمير، صحبة الرئيس الإيراني حسن روحاني، مراسم توقيع سلسلة اتفاقيات تعاون بين البلدين، في شؤون الأمن والخدمات الجوية والجمارك والشباب والرياضة والسياحة وحماية البيئة والتنمية المستدامة؛ كما اتفقا على أنّ حجم التبادل التجاري بين الجانبين، الذي يقارب 150 مليون دولار سنوياً، «لا يرقى إلى طموح البلدين».
أمّا في المستوى غير المعلن، فقد ذهب أمير الكويت لكي يتوسط بين طهران والرياض؛ ليس لأنّ العلاقات السعودية ـ الإيرانية كانت في حال سيئة، أيام الملك عبد الله بن عبد العزيز (إذْ يجوز الحديث عن العكس، بالقياس إلى موقف المملكة من الهيمنة الحوثية التدريجية على مقاليد الأمور في اليمن)؛ بل لأنّ تدخّل إيران، أو بالأحرى أجهزة المرشد الأعلى تحديداً، التي تتولى تصدير «الثورة الإسلامية» إلى الجوار، كان قد تفاقم وتعاظم واتخذ صفة منهجية حثيثة، وبلغ حدّ التعبئة والحشد والتحريض، في المملكة كما في البحرين. وقد يصحّ القول إن تلك الوساطة لم تنجح تماماً، ولكنها لم تفشل كلية أيضاً، خاصة وأنّ «فلسفة» العاهل السعودي الراحل كانت تفضّل ضرب عدوّ بعدوّ (الحوثي ضدّ الإخوان، مثلاً)، وإرجاء الخصومة مع إيران إلى أجل غير مسمى.
وقبل أيام قليلة سبقت انكشاف «خلية العبدلي»، قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بزيارة الكويت؛ فلم يوفّر جهداً في استعادة اللغة الوردية ذاتها التي شاعت أثناء حلول أمير الكويت في طهران، بل زاد عليها من ظرفه المعتاد، فبرّأ بلده من أيّ تدخل في شؤون الآخرين، وذكّر مستضيفيه بأنّ «إيران لطالما دعمت شعوب المنطقة في مكافحة الخطر المشترك المتمثل في الإرهاب والتطرف والطائفية»، معتبراً أنه يتوجب على الدول العربية وليس بلاده أن تبدل سياستها من أجل التشجيع على قيام تعاون إقليمي.
بيد أنّ المعلومات التي رشحت من ملفات القضاء الكويتي، الذي يتولى التحقيق في «خلية العبدلي»، تشير إلى أنّ رجال إيران، أسوة بدبلوماسييها، كانوا ينشطون على قدم وساق في تخزين الأسلحة والذخائر والموادّ الناسفة، خلال الساعات ذاتها التي شهدت تجليات الظرف عند ظريف؛ مثلما استمعت إلى غنائيات الصداقة والسلام التي أزجاها مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية، حسين أمير عبد اللهيان، على أرض الكويت أيضاً.
البعض يساجل، ليس دون وجاهة في الواقع، بأنّ الرأس المدبّر وراء «خلية العبدلي» قد لا تكون له صلة بأمثال ظريف أو عبد اللهيان، أو حتى روحاني نفسه؛ وأنّ الخلية، استطراداً، من صلاحيات «الحرس الثوري» وأمثال الجنرال قاسم سليماني. ولكن، ألا يخضع سليماني، وقيادات الحرس جمعاء، لسلطة المرشد الأعلى، بل هم أبرز أجهزته؟ أليس «الحرس الثوري» مؤسسته الأمنية الأعلى شأناً وسطوة في السلطة الفعلية داخل إيران، وذراعه الأطول في الخارج أيضاً؟ وبهذا، أيّ إيران هذه التي تبتسم للدول العربية، في الخليج تحديداً، وسائر المنطقة: أهو ظرف الوزير ظريف، أم ديناميت الجنرال سليماني؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى