حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

جذور العنف

بقلم: خالص جلبي

هل تقود الحروب إلى السلام فعلا، أم يفضي العنف إلى السعادة؟ أم أن تدمير الخصم وتطويع إرادته ينهي الصراع؟ أم أن الكراهيات المتقابلة والخوف من الاستئصال المتبادل يفضي إلى وضع مستقر؟ هناك مذهبان في العالم لا ثالث لهما: يقوم الأول على العنف وتدمير الآخر وإلغائه، والثاني على احترام الإنسان والحفاظ عليه، وكلا المذهبين خلفهما عواطف متباينة، فالأول يُسقى بالحقد والثاني يُغذى بالحب، والحقد عمليا هو الانكفاء والارتداد على الذات ولذا فهو مدمر لأنه يحذف الآخر، والحب مشاركة ولذا فهو حياة ونماء، وسوف يقص علينا علم النفس خبرا من هذا الموضوع.
كيف يمكن مقابلة العنف بالسلام، ولايُقابَل بما تفرضه الغريزة البحتة والقائلة: من يضربني كفا أضربه اثنين، وأكيل له الصاع صاعين، وأتركه عبرة لمن يعتبر! هذه هي الثقافة التي يتشربها الإنسان في العادة، وتبثها العادات والتصرفات اليومية، وتكرسها أفلام هوليوود، ويتكرر ترسيخها في أذهان الأطفال من خلال لعب (أدوات الموت) من المسدسات والدبابات.
كتب إلي أخ فاضل فقال: (إلا أن النقطة التي استعصى علي فهمها هي مسألة العنف، والسؤال الذي لم أجد له إجابة أبدا كيف تحاور الكلمة الرصاصة؟ نعم قد أحاور من يرغب في حواري، ولكن كيف أحاور من يرغب في استئصالي، بغض النظر عن فكرتي التي أحملها؟ وقد تابعت لك عدة مقالات تتحدث فيها عن نبذ العنف وعبثية الحرب، فياحبذا لو سلطت مزيدا من الأضواء على هذا الجانب).
عندما وضعت سؤال الأخ الفاضل تحت المجهر للتحليل، فإنني أثير مجموعة من النقاط:
1- تقول الأولى: إن هذا الموضوع مختلط، ونظرا لنوعية تعقيده فإنني على الرغم من قلة زادي فيه أخذ مني طاقة فكرية كبرى حتى وصل إلى مرحلة البلورة المتألقة على الأقل في ذهني وأفاض على قلبي من ضروب السعادة والتحرر من العقد وتوديع التقليد، ما جعلني أشعر بما يشبه الولادة الجديدة والنور الجديد (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس)، حيث إن هذه المشكلة قضت مضجعي وشغلتني منذ ما يزيد على عشرين عاما، حتى انتهيت إلى وضوح في هذه الفكرة وتماسك في بنائها ويقين في محتواها، ولا أزعم أن هذا هو اليقين المطلق، بل هو حصيلة البحث الذي وفرت له طاقتي الفكرية منذ ربع قرن من الزمان، ولذا فإنني أكتب في هذا المجال بشعور المتخمر والسعيد والشغوف في إعلان هذا التوجه.
2- وتقول الفكرة الثانية: إن وضع العالم العربي هو ولنكن صريحين في ما يشبه الحرب الأهلية المهددة في أي مكان وفي أي زمان، فما اشتعل في لبنان ودمر في الصومال وتكرر في أفغانستان واليمن، ثم انفجر في الجزائر ولاحقا في كل الشرق الأوسط، إن هي إلا عينات، أو لنقل بالتعبير الطبي (خراجات) قابلة للتفتح والانفجار في أي مكان، وليس هناك من بلد عربي بمنجى من هذا الخطر المدمر الماحق، والذي يظن نفسه أنه في جزيرة (الأمل) فهو في سراب خادع ووهم كاذب، وسوف تلد الأيام الحبالى ما أقول به، ويشاطرني فيه الكثير من أصحاب الفكر والقلم، وهذا يوجب على أهل الفكر والمثقفين المساهمة في تحليل هذا المرض وتسليط الضوء على هذه الظاهرة المرعبة التي تأكلنا يوميا. ولا نظن ونسرف في التفاؤل أن مصير (رواندا) بعيد عنا، فالشروط لحدوث حريق مثل هذا قائمة في أكثر من بلد عربي، (وإن في قصصهم عبرة لأولي الألباب).
3- وتقول الفكرة الثالثة: إن ظاهرة العنف مرض عام في أي بلد عربي؛ فهي بلازما ثقافية يسبح فيها الجميع، وجو مسموم يتنفس فيه الكل، ومرض عام لكل الفرقاء المتنازعين، والاتجاهات المختلفة تقريبا، وإن اختلفوا ففي التوقيت فقط، فهم بهذا تبنوا الغدر وشرعوه. هذا الوباء بل الطاعون الفكري والإيدز الاجتماعي، هو ثقافة مكررة تنتج نفسها (وذرية بعضها من بعض)، ولذا فالانفجارات موجودة في كل بيت وزاوية ودولة.
إن مرض الكوليرا عندما يجتاح بلدا لا يسأله عن هويته العقائدية وانتمائه العرقي وانتسابه القبلي أو الطائفي؛ بل يصيبه المرض كظاهرة بيولوجية بحتة، والأمراض الاجتماعية شبيهة بهذا، إلا أن (وحدة) المرض الاجتماعي، أي الكينونة الإمراضية الناقلة والمسببة للمرض، هي هنا (الفكرة) تماما كما في (وحدة) الأمراض البيولوجية فهي (البكتيريا، أي الجرثوم أو الفيروس). لذا ففي الواقع إننا في العالم العربي نسبح في بلازما ثقافية موحدة مشربة بالعنف، سواء اعترفنا بهذا أم لا، يتجلى هذا من خلال (علاقات القوى) بين الزوج وزوجته والأب وابنه، والضابط بالجندي، والموظف بالمراجع، والطبيب بالمريض، والشرطي بسائق السيارة، والعسكري بالمدني، والدولة بالفرد، والأعلى بالأدنى، فكلها في معظمها علاقات غير صحية تشير إلى تأزم ومرض.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى