الرأي

إنهم لا يحبون سميرة

شامة درشول
من يتابع برنامج «دو فويس عربي»، سينتبه إلى أن الفنانة سميرة سعيد تقوم بالضغط على زر لف الكرسي للمشارك، بل أحيانا كثيرة تقاتل زملاءها في لجنة التحكيم من أجل إقناع المشارك ليختار الالتحاق بفريقها، لكنه في الأخير يختار الالتحاق بفريق واحد من أعضاء لجنة التحكيم، سواء المصري محمد حماقي، أو اللبناني راغب علامة أو الإماراتية أحلام، وأحيانا دون حتى أن يقوم بتقديم شكر للفنانة المغربية سميرة سعيد على التفافها من أجله، ومحاولتها قطع الطريق على باقي الأعضاء حتى لا يحصلوا على «الصوت المغربي».
كمشاهدة، أعتبر أن عدم اختيار مشارك مغربي لسميرة سعيد رغم أنها فنانة مغربية هو اختيار ذكي، صحيح أنها فنانة مشهورة، وخلدت اسمها في تاريخ الفن العربي، وتحظى باحترام وتقدير في المنطقة وربما أكثر من ذاك الذي تحظى به في المغرب، لكن ما الذي يمكنها أن تقدمه لمشارك من المغرب بالمقارنة مع الفنانة الإماراتية أحلام التي تعتبر واحدة من أثرى الفنانين العرب، وصاحبة علاقات قوية مع شخصيات نافذة، إضافة إلى أنها شخصية داعمة، وتدافع عن الأشخاص المقربين منها، أو الذين يقعون في قلبها موقعا حسنا. أما راغب علامة ومحمد حماقي، فإن لم يكونا يملكان القوة نفسها التي تملكها أحلام، إلا أن الأول قادم من بلد أهله منتشرون في بقاع العالم، وحاضرون بقوة في مجال الفن والترفيه، والثاني بدوره قادم من بلد الترفيه فيه صناعة، وله مستهلكون ونقاد، ولا يمكنه أن يعيش من دون إنتاج فني أو ثقافي، قد يكون أصابه الركود، لكن لم يمسسه بعد الموت كما مسنا.
اختيار أغلب المشاركين المغاربة لفنان غير مغربي ليس اختيارا من فراغ، فيكون دافعه سببان لا ثالث لهما إما تلك اللازمة التي نعرفها جيدا أن «لمغاربة مكيعاونوش بعضهم»، أو أنهم لا يملكون القوة الكافية من أجل الضغط وإحداث تغيير، وهو ما يعني أن اللوبي المغربي في العالم هو لوبي ضعيف جدا، يتسم بالتردد، وفقدان القدرة على المبادرة، وعدم تقدير المؤهلات والكفاءات، وأيضا ميوله إلى كسرها، وإن لم يكسرها فهو يميل إلى إهمالها، أو يختار في الأخير التعامل مع نفس الأسماء التي يعرفها، والتي له عليها حجج كافية لكسرها وقتما شاء، ووقتما شعر بأنها بدأت تتفوق عليه.
هي عقلية مغربية محضة وليست مجرد برنامج لاختيار أحسن صوت فني، وهو سلوك ستلمسه جيدا حين تقيم خارج المغرب، فأول نصيحة تقدم لك وأنت في طريقك إلى أرض جديدة هي «بعد من كحل الراس»، فتبتعد، تبتعد لأنك أتيت من بلدك مشبعا بما يكفي من ثقافة الرفض لكل ما هو مغربي، أنت تحافظ فقط على علاقتك بـ«الكسكسو والغاسول، والطواجن ولقفطان»، لكنك في حقيقة الأمر ترفض أي ارتباط بما يشير إلى هويتك ووطنك، بل إنك أنت نفسك تقلل منه وتحتقره، لذلك لن تجد وأنت في المهجر إلا المغاربة يلعنون البلد الذي أتوا منه، وأقلهم قساوة سيخبرك أن «لبلاد فيها لواليدين ولعائلة»، لذلك أنت مضطر للقدوم إليها بين الفينة والأخرى، وأنه إن كان لك الاختيار فإنك لم تكن لتأتي أبدا.
هذا الرفض، وعدم الاحترام لهويتك، ومجتمعك الذي أتيت منه سوف تجد نفسك تعكسه دون أن تشعر على كل ما هو مغربي، حتى أنك سوف تسمع كثيرا عن أولئك الذين تعرضوا للكثير من المضايقات من مدرائهم المغاربة، في الوقت الذي كانوا يلقون دعما قويا، وتقديرا من مدرائهم الأجانب، السبب في كل ما يحدث يلخص في كلمة واحدة وهي «لحكرا»، ليس بمعنى أنه مواطن مضطهد، بل هو مواطن عاش في بيئة تلقنه مبادئ التحقير، التحقير لكل ما هو مغربي، وهذا ما يفسر، أيضا، لماذا تجد المغاربة يتلهفون على مشاهدة مقطع فيديو كتب فيه «شاهد مغربيا أنقذ قطة وصفق له الشرطي الأمريكي»، وتصل المأساة إلى درجة أن تتعثر في عنوان يقول «طفل مغربي يدهش لجنة التحكيم الفرنسية»، رغم أن هذا الطفل ولد في فرنسا، ويحمل الجنسية الفرنسية، ووالدته فرنسية ووالده مغربي.
عدم احترام الهوية، وضعف الثقة في النفس، والشعور بالنقص تجاه باقي الثقافات والجنسيات، والتلذذ في جلد الذات، هو نفسه ما يدفع المغاربة إلى البحث عن أي اعتراف بالمكون المغربي لكن في عيون أجنبية، لذلك هم «لا يحبون سميرة»، ليس لأنها فنانة أقل قيمة من أحلام، وراغب وحماقي، بل لأنهم يرون فيها ما يحتقرونه في أنفسهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى