الرأي

نداء الطبيعة

شامة درشول

 

 

 

 

توصلت برسائل عدة من قراء مشاهدات عابرة حول المقال المعنون بـ«بيت لما»، وجمعت نقطة واحدة بين كل هذه الرسائل وهي أن أصحابها أثنوا حد التفاجؤ على حديثي عن موضوع نادرا جدا ما يتم الحديث عنه.

«دبيليو سي»، و«ريست روم»، هي الأسماء التي تطلق بالإنجليزية على المرحاض، الأولى هي اختصار لكلمة «غرفة الماء»، والثانية تعني «بيت الراحة»، وفي المغرب يطلق على المرحاض «بيت لما»، و«بيت الراحة»، وكما سبق أن ذكرت أنه في منزلنا نسميه «دار لوضو»، لكن مجتمعنا يستحي من الحديث عن المرحاض، في الوقت الذي جعلت له الأمم المتحدة يوما عالميا اسمه اليوم العالمي للمرحاض.

التاسع عشر من نونبر هو التاريخ الذي اختير للاحتفال بالمرحاض، وهو بالمناسبة التاريخ نفسه الذي يحتفل فيه باليوم العالمي للرجل، ولم يتم الاهتمام بيوم عالمي للمرحاض من قبل الأمم المتحدة، إلا بعد أن أعلنت عنه المنظمة العالمية للمراحيض مند خمس سنوات، من أجل التوعية بأهمية الاهتمام بالصرف الصحي.

ذكرت في مقالي السابق أن المرحاض تم اختراعه من قبل أهل الشام، وكان واحدا من مظاهر التحضر، وارتبط هذا الاختراع بوقوف المسلمين حين كانوا يحكمون العالم وراء اختراع وسائل الصرف الصحي، وكان هذا مرتبطا بتطور الهندسة المعمارية، وبالتالي فالمرحاض ليس كما ننظر إليه مجرد مكان نلبي فيه نداء الطبيعة، وإنما مظهرا من مظاهر انتقال الإنسان من البدائية إلى الحضارة.

ما علينا أن نعرفه أنه في نهاية الثمانينات من القرن الماضي فقط، بدأ الاهتمام في أوروبا بإنشاء مراحيض للنساء، إذ إن المراحيض العمومية كانت تنشأ بشكل خاص للرجال في الأماكن العامة، وفي العصر الفيكتوري كانت المراحيض العمومية في بريطانيا تنشأ للرجال فقط، وترى قائدات الحركات النسائية في لندن أن إهمال إنشاء مراحيض للنساء في الأماكن العمومية كان أمرا متعمدا، من أجل إبقاء النساء في المنزل، وتبرر هؤلاء القياديات البريطانيات أن الرجال يرون دخول النساء مرحاضا عموميا أمرا غير لائق، وأنه كان يجب الانتظار إلى غاية الثمانينات من القرن الماضي، حيث انتشرت المقاهي والمطاعم بكثرة، وبات بإمكان النساء استعمال مراحيض هذه الأماكن، حين يتواجدن خارج المنزل.

يقول الموقع الخاص باليوم العالمي للمراحيض إن هذا اليوم أطلق من أجل التنبيه إلى أهمية المراحيض في حماية صحة الإنسان، وأيضا إلى خطورة إهمال الصرف الصحي، وإهمال نظافة المراحيض على صحة الإنسان، وينبه أيضا إلى أن إهمال إنشاء مراحيض عمومية، سواء للرجال أو النساء، معناه إهمال صحة مواطنين كبار في السن قد يكونوا مصابين بسلس البول، وآخرين مصابين بالسكري، كما يهمل صحة النساء الحوامل اللواتي يتسبب الحمل في إصابتهن بكثرة التبول، وأيضا الفتيات اللواتي يكن في فترة الحيض ويحتجن لاستعمال مرحاض نظيف، إضافة إلى الأمهات المرضعات واللواتي تحتجن لتغيير حفاظات أطفالهن في أماكن نظيفة.

في صغري، كنت أسمع رنين الجرس في بيتنا، وغالبا تكون امرأة طرقت باب المنزل تطلب أن نفتح لها من أجل أن تقضي حاجتها، وكنا نفتح الباب في زمن كان أقل خوفا من الغرباء، الآن، مراحيض المقاهي والمطاعم تفي بالغرض، لكن هذا لا يكفي، ولا أعرف أي بلد هذا الذي يطلق العديد من المشاريع، ويهمل إنشاء مراحيض عمومية نظيفة، وآمنة، للرجال والنساء، وأذكر اليوم الذي كنت فيه أمشي بجوار نهر في جنيف، حين لمحت تحت قدمي سهما كتب بجواره «دبيليو سي»، في إشارة إلى وجود مراحيض بالقرب من النهر، تذكرت وقتها تلك القاذورات التي كانت تصادفنا ونحن صغارا حين كنا نسبح بشواطئ هذا البلد، ورغم وجود مراحيض بالشاطئ، لكنها لم تكن صالحة للاستعمال النسائي، ولم تكن نظيفة بما يكفي حتى يطلق عليها اسم مرحاض.

وهذا بيت الخلاف بين مرحاض المغرب، ومرحاض دول العالم المتقدم، وهو أننا نعتبر أن مرحاضا عموميا حتى ذاك الذي يوجد في مقهى أو مطعم، أو حتى في المطار، أو محطة القطار، أو داخل القطار، هو مرحاض لتفريغ نداء الطبيعة، فنهمل نظافته، في حين أنه مكان يجب أن يكون نظيفا، ونحافظ عليه نظيفا، لأن هذا المكان عليه أن يكون نظيفا، ففيه نفرغ ما في أمعائنا وهي سموم يطردها الجسد، وفيه يمكن أن نلتقط بسهولة جراثيم قد تجعل صحتنا في مهب الريح.

علينا أن نتعلم الكثير عن المراحيض، وأهميتها في الحفاظ على صحتنا، ودورها في تحضرنا، بدل أن نحصر صورتنا عنها في أنها مجرد أماكن نذكرها ونحن نقول «حاشاك»، ويوصينا آباؤنا بألا نغني فيه «باش ميضربناش شي جن»، وأن نرمي فيه بعضا من الملح إذا أردنا الاغتسال فيه ليلا، وأنه مكان يسكنه الجن ليلا، ويستخدمه الإنسان نهارا، المراحيض أكثر أهمية مما نتصوره عنها، حتى أن تقريرا طبيا أشار إلى أن المراحيض التقليدية التي كان يضطر فيها الإنسان أن يجلس القرفصاء ليقضي حاجته هي صحية أكثر من تلك المراحيض العصرية، وأن الأولى تخفف من الإصابة بسرطان القولون.

إذا كان الإنسان يصف نفسه بأنه حيوان ناطق، فعلينا أن نتعلم أن تلبية نداء الطبيعة يجب أن نقوم بها بتحضر يكفي للحفاظ على صحتنا، وأيضا على تميزنا عن الكائن الذي نسميه حيوانا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى