سري للغاية

عندما وصف الشاذلي بن جديد خطاب الحسن الثاني بأنه خطوة إلى الأمام

توفي الرئيس الجزائري، الهواري بومدين في 28 دجنبر 1978، وفور علمه بالخبر أرسل الملك الحسن الثاني، في طائرة خاصة، ولي عهده الأمير سيدي محمد، لتقديم التعازي، تكريسا لقاعدة أن سلاطين وملوك المغرب، لا يحضرون الجنائز.
لكن بعض الروايات التاريخية تتحدث عن منع السلطات الجزائرية هبوط الطائرة التي كان على متنها سيدي محمد، الذي كان في مهمة رسمية لتمثيل والده الحسن الثاني في جنازة الهواري بومدين، وهو ما تحدثت عنه الصحافة المغربية في حينه حين قالت: «بعد أن منعت سلطات مطار الجزائر، طائرة ولي العهد من الهبوط، لتبقى طائرته تدور في الأجواء، تحت تهديد القوات الجوية الجزائرية وكان حادثا تأثر له الملك الحسن الثاني، الذي كان معلقا مع التلفون، مضطرا إلى تتبع ظروف الطائرة ومدى توفرها على البنزين».
ولم يبتلع الحسن الثاني هذا الحادث، الذي يكشف نوايا الجزائر تجاه المغرب، ويكشف أن القوة الخفية العسكرية التي كانت تحكم الجزائر، أيام بومدين، وبعدها هي التي أصدرت الأوامر، بمنع طائرة ولي العهد من النزول بمطار الجزائر، رغم أنهم كانوا يعرفون، أنه آت باسم والده، ليتبين في ما بعد أن الجزائريين لم يستوعبوا بعد طقوس العزاء لدى السلاطين.
نعود إلى محيي الدين عميمور الشاهد على العصر الجزائري بكل أطيافه، ونلاحظ أنه لم يتطرق إلى هذه الواقعة التي تكتمت عليها الصحف في البلدين، واعتبرت تأخر نزول الطائرة المغربية أمرا أملته ترتيبات المطار، لكن عميمور يشك في وفاة الرئيس هواري بومدين دون أن يكشف عن الحقائق، بل يصر على عدم إلمامه بالتفاصيل وهو من أقرب المقربين إلى الرئيس الراحل.
«يمكن أن أقول بأن موته كان طبيعيا ليست لدي معطيات، ولا أظن أن شابا في ريعان الشباب وفي وضع مماثل للرئيس الراحل تكون وفاته طبيعية. ويكفي أن نرى التحولات التي جرت في الوطن العربي بعد وفاته، فالعالم العربي تغير بوفاته هو وجمال عبد الناصر والملك فيصل».
قال أحد وزراء صدام إن هذا الأخير كان وراء قتل هواري على اعتبار أن آخر زيارة لبومدين كانت إلى بغداد، إلا أن عميمور ينفي هذا الطرح، «لا أبدا .. أحد الوزراء العراقيين هو أراد أن يهين صدام حسين فقال هذا الكلام، كانت بين الرجلين علاقة احترام، فعندما لجأ إلى بومدين لإنقاذه من قضية الصراع مع إيران، لم يتردد بومدين وكان وراء اتفاقية الجزائر سنة 1975. وهواري هو من علم صدام تدخين السيجار الكوبي».
تحدثت «الشروق» الجزائرية بإسهاب عن تصريح الوزير العراقي، حامد الجبوري، وعاد الحديث عن اغتيال بومدين إلى واجهة الأحداث من جديد بعد شهادة الوزير، والتي كانت عبارة عن مقارنة، لم تستند إلى ما يؤكدها توثيقا، أو شهادة علانية صادقة وواضحة، فالقاتل المتهم هو الرئيس صدام، والمغتال هو الرئيس هواري بومدين وكلاهما قدم إلى ما عمل، ما يعني أن لا أحد يطالب بحق الاثنين‮.‬
بوفاة بومدين عاشت الجزائر مرحلة حساسة، خاصة مع تعيين الرئيس الشاذلي بن جديد غير المتوقعة، «أول ما يجب أن يقال عن هذه المرحلة هو تحية تقدير ومحبة للرئيس رابح بيطاط، فهذا الرجل كان الضامن الرئيسي لانتقال السلطة بشكل سلس إلى من بعد الرئيس بومدين، لأنه كانت أطراف تحاول إقناعه بتغيير الدستور ويكون هو الرئيس ولم يقبل ذلك، أما الرئيس الشاذلي بن جديد فيجب أن يعلم الناس أن تعيينه لم يأت صدفة كما يرى البعض، فالشاذلي كان أهم قائد ناحية عسكرية في الجزائر وكذلك هو مجاهد، وكانت لديه إنجازات في تاريخه العسكري، كما شارك في كثير من الزيارات الخارجية مع بومدين، صحيح أنه لم يكن لديه تكوين كرئيس دولة، لكن هناك مهمة تقوم بها المصالح الموجودة في رئاسة الجمهورية لإعداد أي إنسان يكون في هذا المنصب».
رافق عميمور الرئيس بن جديد في مهامه الحكومية، وكان إلى جانبه في ملتقيات خارجية، خاصة في مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية، «أول خطاب للرئيس بن جديد بالفرنسية ألقاه في نيروبي سنة 1981، حين خصص الجزء الأكبر منه لقضية الصحراء»، وألقى الحسن الثاني خطابا قال فيه: «المغرب يقبل استفتاء يؤكد مفهوم المغرب لحقوقه الشرعية»، وهو الخطاب الذي أحدث شرخا في الوفد الجزائري. وكان آخرون في الوفد عندهم هدف محاولة حل قضية الصحراء من منطلق عفا الله عما سلف، وكان هناك من يروج فكرة أخرى أن عميمور مسيطر على خطب الرئيس ومتحكم في اللغة العربية، لماذا لا ندخل الفرنسية؟ سألت الرئيس تجاه الموقف فقال لي: «إن فلان وفلان يحضرون لنص»، وفعلا أعد النص وكان أول نص يلقى للرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله بالفرنسية، وكان نصا كارثيا من الناحية السياسية، لأنه قال: «إن خطاب الملك خطوة إلى الأمام».
في تلك المرحلة كان لابد للذي يحكم الجزائر أن يملك الدعم العسكري، لأنه بدون سند عسكري لا يستطيع أن يحكم الجزائر، «أي كلام غير هذا فهو غير صحيح، لقد كانت هناك شخصيات عديدة كالرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة وطالب الإبراهيمي، ولكن لم تكن تملك الدعم المطلق من الجيش. والشاذلي بن جديد اختير من قيادات عسكرية في اجتماع «لونينا»، وأعتقد أن الشخصية التي لعبت دورا كبيرا في اختيار الشاذلي بن جديد للرئاسة هو قاصدي مرباح».
لكن هل يمكن القول بأن مرحلة الشاذلي عرفت ما يشبه الردة على أسلوب حكم الرئيس السابق هواري بومدين؟، يجيب عميمور في كتاباته: «أنا لم أقل إنها كانت ردة على مرحلة هواري بومدين، إنما قلت إن الردة بدأت في مرحلة الشاذلي وتحديدا في العهدة الثانية، فالعهدة الأولى كان حول الرئيس الشاذلي مجموعة من الإطارات والمسؤولين المرتبطين ببومدين، وأنا من فرض شعار «التغيير في إطار الاستمرارية»، على أساس أن الشاذلي بن جديد يمثل استمرارية لحقبة بومدين».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى