شوف تشوف

الرأي

يا مجمع العرب

حسن البصري

بعد تسع سنوات من الغياب، سيجتمع العرب حول كأس العرب لكرة القدم، سيسألون عن صاحب آخر لقب، ويطالبونه بالدفاع عنه في ساحة الوغى بالقرطاس والقدم.

كنت شاهد «عيان» على البطولة الأخيرة التي دارت أطوارها في المملكة العربية السعودية، وسعدت بفوز منتخب بلادي بكأس العرب، ورددت بزهو «منبت الأحرار» مع مغاربة جدة من مدرجات ملعب «الاتحاد»، وباركت لياسين الصالحي فوزه بهواتف ذكية خصصها الراعي الرسمي للاعب ذكي.

في غمرة الفوز المغربي، كان منشط إذاعة الملعب الرئيسي، يصر على أن الكرة قادرة على علاج الأورام التي خلفتها السياسة، ويؤكد أنها وإن خذلت مستضيف الدورة ضد مجرى التوقعات، فإنها لمت شمل العرب، قبل أن يوجه لوما إلى التحكيم، ويختزل أزمة الأمة العربية في ضعف حكام الشرط.

هنأ المذيع السعودي منتخب المغرب وتذكر أحمد البهجة فقال فيه شعرا، واستحضر أبو شروان وخصص له قافية وعرج على كماتشو وبصير، ثم بحث بين أوراقه عن لاعبين سجلوا حضورهم في كشوفات الدوريات السعودية، قبل أن ينتهي رصيده من تعبئة تاريخ وجغرافية الكرة المغربية.

بحث المذيع عن قائمة المتوجين فلم يجد سوى منتخب المغرب، وتبين له أن هداف العرب ونجم العرب وحارس العرب نسل مهدد بالانقراض. تأسف لخروج بلاده من المسابقة، لكنه ذكر الصحافيين، أو ما تبقى منهم، بفوز منتخب السعودية على المغرب في مونديال أمريكا، ووصفه بـ«الملحمة»، قبل أن يخفت صوته وهو يتجرع «المشأمة».

قبل أن يتناول الكلمة الختامية رئيس اللجنة المنظمة لكأس العرب، اكتشف أن مدرجات الملعب فارغة إلا من عمال آسيويين شرعوا في تنظيف المكان، وبدا وكأن كلامه بيان ختامي لمؤتمرات عربية كانت تسمى قمما، قبل أن تصاب جامعة الدول العربية بعدوى الاتحاد العربي لكرة القدم، وتنظم ملتقياتها في فترات متباعدة.

همس في أذني زميل أردني فحذرني من الإدمان على خطب منظمي البطولات العربية، لأن كلامهم محنط صالح لكل دورة، ومن تجنب كلام الندوات الصحفية التي يبرر فيها المدربون هفواتهم بلغة يختلط فيها منطق الكرة مع النحو والصرف والمحفوظات، تفرج ثم انسحب.

عندما عادت عناصر المنتخب الوطني إلى مقر إقامتها بأحد فنادق جدة، تقدم عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نحو إداري مغربي، وحذره من الإفراط في الغناء، مذكرا بالعقوبات التي تترتب عن زيادة منسوب الفرح، قبل أن يكشف عن نسخة من اتفاقية شراكة بين الهيئة واتحاد الكرة السعودي.

في الفندق اختلى كل وسيط بلاعب، وسرد عليه كنادل مقهى العروض المتاحة، وانتهى اللقاء بتبادل أرقام الهواتف، بعد أن تبين أنه كلما اختلى وسيط بلاعب إلا وكان ثالثهما الشيطان. وفي الممرات الضيقة اختلى مشجع مغترب بلاعب ابتغاء قميص يحمل توقيعا، فيما كان مدرب المنتخب المغربي، إيريك غيريتس، يحكي للصحافيين غاراته على عرب شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا بسيوف من خشب، وكيف تساقط أمامه فرسان في وضعية كومبارس، كأنه في دور بطولة فيلم عنترة بن «سداد».

في هذه التظاهرة، التي عادت بعد سنوات من الغياب، تبين أن مقولة «اتفق العرب على ألا يتفقوا» ما زالت سارية المفعول، إذ دار نقاش في إحدى الفضائيات العربية حول المالك الحصري لعبارة «اتفق العرب»، فقال بعضهم إنه الملك فيصل وقال آخرون إنه الشيخ عبده، وأصر عالم حفريات على أن مبتكرها هو ابن خلدون، وتبين مع مرور الوقت أن المتدخلين تناسوا موضوع الحلقة الرياضية والدورة العربية وحصيلة المنتخبات، وانخرطوا في تحليل الوضع العربي المائل والبحث عن الأب البيولوجي لتلك القولة، وهو أكبر دليل على أن الاتفاق العربي حالة ميؤوس منها.

صدق الكاتب المصري جلال عامر حين قطع الشك باليقين، وقال إن لازمة «اتفق العرب» مقتبسة من قصص الخيال العلمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى